الإثنين، 26-04-2021
03:53 م
يأتي من يلوم على تركيز بعضنا على القدس، وكأننا نتناسى يافا وحيفا والناصرة، وبقية المدن الفلسطينية، ونحن هنا، لا نتناسى أبدا، لكنْ للقدس وضع خاص لاعتبارات كثيرة.
القدس لها مكانتها التاريخية والدينية، والمشروع الإسرائيلي، يريد تغيير هوية المدينة الاجتماعية والثقافية والدينية، بكل الطرق، وهو هنا يلجأ إلى وسائل كثيرة، من بينها مصادرة الأرض والعقارات، وإلغاء إقامات المقدسيين، والتطاول على المسجد الأقصى، وتهويد مواقع كثيرة داخل القدس، باعتبار أن إسرائيل تريد تكريس سيادتها على المدينة على أساس أنها عاصمة لإسرائيل، ولن ترتاح حتى تكمل مشروعها في المدينة.
المشروع الإسرائيلي مهما بلغ به العلو، غير مؤهل للبقاء، وأسباب الفناء واضحة فيه، وليس أدل على ذلك من بقاء الفلسطينيين داخل فلسطين، سواء في مدن الساحل الفلسطيني، أو الضفة الغربية أو غزة أو القدس، وكل هؤلاء مهما تعرضوا لإجراءات من المحاصرة، إلى التطويع السياسي، إلى التهديد بالطرد، باقون، فإسرائيل ليست نقية وفقا للمفهوم الديني الإسرائيلي، ولا يمكن مهما بلغت الإجراءات من القسوة، أن يتم التخلص من الشعب الفلسطيني، الذي تعلمت أجياله الجديدة، أن كلفة الهجرة مجددا، مرتفعة جدا.
الذي شهدناه في القدس خلال الأيام الماضية مجرد نموذج مصغر لما يمكن أن يحدث لاحقا، إذا قررت إسرائيل مسّ المسجد الأقصى، إذ إن مراهنة إسرائيل على سكوت الفلسطينيين، أو خوفهم على حياتهم أو أرزاقهم، أو حتى إقاماتهم المؤقتة وفقا للتعبير الإسرائيلي، مراهنة فاشلة، لا يمكن لها أن تنجح، وبرغم كل التغييرات التي تواصلها إسرائيل داخل القدس، فما يزال نصف مليون مقدسي، أو أقل قليلا، يعيشون في القدس، وهؤلاء ومعهم أهل فلسطين المحتلة عام 1948، قوة لا يستهان بها، ولا تستطيع إسرائيل تجاوزها، مهما حاولت.
حين تدعم إسرائيل الجماعات الدينية المتطرفة، وتسمح لها بالتسلل إلى الحرم القدسي، في شهر رمضان، أو تسمح لها بالاعتداء على المصلين، أو تقوم قواتها بضرب المصلين، والاعتداء على المسجد الأقصى، فهي هنا، تؤجج الغضب من جديد، لأن حالة السكون التي كنا نراها في القدس، حالة مؤقتة، لا تعني قبول المقدسيين بالاحتلال، وليس أدل على ذلك من أي تصرف إسرائيلي فيه تجاوز، يؤدي إلى ردود فعل واسعة، داخل كل فلسطين.
العبث بالحرم القدسي، خطير جدا وكلفته عالية، لأن الجانب الديني هنا، واضح ومحدد، من حيث مكانة المواقع الإسلامية عند المسلمين، إضافة إلى أن إسرائيل تحاول كل مرة، جس نبض أهل القدس، فتكتشف أن المدينة ما تزال حية بأهلها، فقد يحتمل المقدسي، ضررا عاديا، أو شخصيا، من جرح أو اعتقال، أو هدم بيته، لكنه في موضوع المسجد الأقصى، يتحول إلى شخص آخر، كونه يدرك أن للمسجد مكانة دينية، وأن وجوده حول المسجد، لم يأت صدفة، وأن المسجد أمانة لديه.
لكننا أمام الإجراءات الإسرائيلية البشعة التي اعتدى فيها الإسرائيليون على المسجد والمصلين خلال الأيام القليلة الماضية، نقرأ التأثير السياسي أيضا لهذا الوضع، فهذا الذي رأيناه يثبت أن التطبيع من جهة مع إسرائيل، سيبقى ضئيلا جدا، كما أن الوضع في القدس والضفة الغربية وغزة، قد يؤدي إلى تأجيل الانتخابات الفلسطينية، مثلما أن هذا الملف قد يخضع لاحقا، لعملية تدويل، أمام التهديدات الإسرائيلية، والتدويل هنا، يعني إثارة الملف في العالم، وعدم حصره بجهة أو جهتين، بما يعنيه ذلك من تفاعلات على مستويات مختلفة.
السوار الشعبي في القدس الذي يحمي المسجد الأقصى، لا يمكن تجاوزه، حتى لو خططت إسرائيل لفصل قرى مقدسية، أو ترحيل مقدسيين، أو إعادة رسم خريطة القدس الاجتماعية، فكلها حلول مستحيلة، تلجأ إسرائيل بدلا منها الى الحلول البطيئة المتدرجة، ظنا منها، أنها بهذه الطريقة وعلى مدى سنوات طويلة، ستفرغ القدس من أهلها، وبحيث تخلو لها المدينة.
إذا كانت الديموغرافيا الفلسطينية، داخل فلسطين من أسباب فناء إسرائيل، فإن المسجد الأقصى يعد سببا ثانيا، فإسرائيل اليوم، ليست مطلقة القوة، ولا الإمكانات، مهما رأينا من دلائل على ذلك، ويكفيها أنها تعيش مؤقتا بين مليار ونصف مليار عربي ومسلم، كلهم يصنفونها في خانة العداء، ليأتي التطاول على الأقصى، ويعزز هذا الموقف بكل الطرق.