ما تزال الجهات المعنية تواصل الاستمتاع بسياسة التصريحات المتضاربة بشأن الأسباب التي أدت إلى زيادة أعداد الإصابات اليومية، وأيضا ارتفاع نسبة الإصابة الإيجابية بفيروس كورونا. بتنا نستمع كل يوم إلى ترنيمة جديدة هدفها اخفاء حقيقة ماثلة أمامنا، وهي أن الفيروس يستغل ضعف الرقابة الحكومية الصارمة، كما يستغل غياب وعي الناس بإجراءات السلامة.
لا أرى أن المعضلة الأساسية تكمن في ارتفاع الإصابات والنسبة فقط، أو على من تقع المسؤولية، وإنما في محاولة الإجابة عن سؤال: كيف سنحول دون بلوغنا ذروة جديدة، في ظل سعي الجميع؛ حكومة وشعبا، ومساهمتهم في الوصول إليها؟! ليس خافيا أن الحكومة قررت منح التعافي الاقتصادي أولوية على الاعتبارات الصحية، خصوصا أن أرقام الإصابات كانت تسجل أرقاما متدنية جديدة حين اتخذت هذا القرار، متجاوزة الذروة التي شهدناها في العام الماضي، والتي سجلت فيها المملكة أرقاما مرعبة، ووفيات عالية جدا.
منح الأولوية للاقتصاد اتجاه له تبريراته العديدة، خصوصا أن الناس ضاقوا ذرعا بإجراءات الحظر الكلي والجزئي وبأوامر الدفاع، بالتزامن مع بلوغ الاقتصاد الوطني مرحلة خطيرة لا يمكن الركون لها، بعد أن أغلقت آلاف المصالح الصغيرة والمتوسطة، وبلغت البطالة ذروة لم نصلها سابقا، بينما أرقام الفقر ترتفع بشكل مستمر. في المقابل، غالبية دول العالم تشهد تذبذبا في منحى نسب الإصابة بين مواطنيها، وهو ما نشهده في المملكة اليوم كوننا لسنا بمعزل عما يدور حولنا، لكن الفارق بيننا وبينها أن بعضها قادر على اتخاذ قرارات ذات تأثير اقتصادي والتعامل معها في هذا الإطار. الدوران في حلقة مفرغة شاهد على خيبة الأمل جراء ضعف الحكومة في التعاطي مع أوامر الدفاع المتعلقة بضبط حركة الناس وضمان متابعة ومراقبة مدى تطبيقهم لإجراءات السلامة العامة، وهذا ما كان الجميع يحذر منه منذ بدء العودة تدريجيا للحياة الطبيعية، لذلك فليس من المقبول أن يخرج وزير بتصريح ليبرر أن زيادة الإصابات مرتبطة بالمدارس أو بالحفلات التي تقام هنا وهناك.
الأمر يتعدى ذلك بكثير، والأسباب كثيرة، بدءا من عدم التوجه للحصول على المطعوم، مرورا بسلوكياتنا الحياتية التي عادت إلى ما قبل عهد كورونا كما لو أننا لا نشهد جائحة خطيرة تزعزع يقينا بالمستقبل. بتنا نرى الناس لا تتوانى عن التصافح باليد والاحتضان والتقبيل أينما توجهوا وبأي مناسبة كانت، حتى أن مستوى النظافة العامة والالتزام بالتعقيم انخفض كثيرا عما كان عليه في العام الماضي، أما إجراءات السلامة وارتداء الكمامة فهي في أدنى مستوياتها اليوم، وكل ذلك على مرآى ومسمع الحكومة. الاعتقاد أن الحل يكمن في الاكتفاء في تجول رجال الأمن في الشوارع ومخالفة من لا يرتدي الكمامة يعتبر نظرة قاصرة وغير ناضجة للخروج من الأزمة، فهذا الحل لا يمكن أن يستقيم معه مفهوم الإدارة الحقيقية للأزمات التي ينبغي أن تكون عملية متكاملة، والتي ، للأسف، أرى أن الجهات المعنية غير قادرة على تطبيقها على أرض الواقع.
الأرقام المتصاعدة تتحدث عن أننا دخلنا موجة جديدة، ليست كالأخيرة في عدد الإصابات، ولكن الاستمرار في النهج ذاته بالتعامل على المستويين؛ الشعبي والرسمي، يعني حتما أن القادم أسوأ اقتصاديا وصحيا.