سؤال المليون بالنسبة للاردنيين في هذه المرحلة هو: كيف يمكن ان نتجاوز هذه الحرب السياسية التي تستهدفنا تحت عنوان «صفقة القرن» باقل ما يمكن من خسائر؟
تحتمل الإجابة تسجيل ثلاث ملاحظات الأولى هي ان بلدنا اصبح وحيدا في هذه المواجهة ليس فقط لان حواضرنا العربية التي كانت تتمتع بقدر من العافية «والممانعة» السياسية خرجت من المشهد، لاسباب تتعلق بما لحق لها من ضربات، وانما لان بعضها آثر السلامة وانسحب في سياق تحالفات جديدة تحفظ له وجوده ومصالحه.
الملاحظة الثانية هي ان الظهير الفلسطيني تعرض هو الآخر لحالة انقسام اجهضت ما لديه من أوراق قوة، وبالتالي لم يعد بمقدوره ان يشكل عامل «ردع» لإسرائيل او عامل «جذب» للعالم لكي يضمن حضوره او ادنى اعتبار لردود افعاله ضد ما يهدد حقوقه المشروعة.
اما الملاحظة الثالثة فهي ان أمريكا وحدها من يتحكم اليوم بزمام القرار في العالم بعد ان طوت صفحة القرار الأوروبي الموحد، وصفحة الاتحاد السوفياني المعطل لفكرة القطب الواحد، اضف لذلك ان معظم الكبار في العالم استقالوا تماما من مهمة « الشراكة « اوحتى التعاطف مع العالم العربي بعد ان ثبت لديهم ان مصالحهم فيه يمكن تأمينها دون ان يدفعوا أي ثمن سياسي.
اذا اضفنا لذلك حالة بلدنا التي اسهب تقرير « حالة البلاد « في شرحها بأكثر من الف صفحة، وما نعانيه من ازمة اقتصادية صعبة، ومن انحسار للثقة بين الناس ومؤسساتهم فإن ذلك يضعنا في بؤرة الازمة التي تكالبت علينا فيها العوامل الخارجية مع الداخلية بشكل لم نعهده منذ ان تأسست الدولة قبل مئة عام.
يبدو هنا سؤال إدارة الازمة والتعامل مع مخرجاتها بحاجة الى وقفة طويلة، جاء وقتها وحضر أهلها، بحكم انها أصبحت مفروضة علينا، ولا بد ان نتوافق على ثلاثة عناوين أساسية لادارتها قبل ان يصدمنا اشهارها: الأول يتعلق بالمسار السياسي بكل تفاصيله والأوراق التي نملكها، وحدود دورنا ومصالحنا وعلاقاتنا وامكانياتنا أيضا، الثاني المسار الإعلامي الذي يجب ان يحمل موقف الدولة وروايتها وتوجهاتها وأهدافها،وهو هنا يعمل في اطارين يجب ان يكونا مصممين بدقة: اطار داخلي وآخر خارجي، الأول يستهدف المجتمع الأردني لضمان تدفق المعلومات اليه بشكل صحيح وصناعة «اطار اعلامي» لترتيب أولوياته،والآخر موجه للخارج لطرح ما يلزم من رسائل سياسية تعكس ما تفكر به الدولة وما يمكن ان تفعله.
يبقى المسار الأخير ويتعلق بما نملكه من «أوراق» قوة داخلية سواء على صعيد حركة الشارع، او على صعيد « البيئة « الاجتماعية بما تمثله من قوة ناعمة تعكس صلابة المجتمع وقدرته على التصدي لهذا الخطر، وهي قوة لها حساباتها المعتبرة على اكثر من صعيد.
باختصار، لدينا فرصة لادارة الازمة التي نواجهها بعقلانية وحكمة وشجاعة، لكن لابد ان نتوافق على «خطة» سياسية وإعلامية مصممة بشكل مدروس? ثم على أدوات مقنعة لتنفيذها وبهذا نضمن تجاوز «الحرب» السياسية بأقل ما يمكن من خسائر.