تصريحات غريبة تلك التي أطلقها وزير الصحة داعيا فيها كل من لديهم شهادات مزورة تثبت حصولهم على جرعة واحد او جرعتين، مراجعة وزارة الصحة من أجل ايجاد حل لهم، متعهدا بالموازنة بين العدالة القانونية وتحقيق الامان الصحي. لا شك ستصاب بالذهول، لأن الوزير ربما لا يعرف كلفة كلامه ولا ثقل نتيجته.
كلام الوزير يعني ان هناك شهادات مزورة تثبت الحصول على اللقاح، ولا احد يعرف هل المقصود ان المرء قام بتزوير وثيقة عبر اي محترف للتزوير، وحملها معه، داخل البلد، او عند سفره، بما يثبت التطعيم، ام ان التزوير تم عبر انظمة وزارة الصحة الالكترونية، بحيث يظهر انه تلقى المطعوم فعليا، فيما هو لم يحصل عليه، وهذا جانب أخطر في الموضوع، ويترك اثرا سيئا في سمعة البلد، الذي كان يتفاخر طوال عمره بسمعة قطاعه الصحي، وكفاءة من يعملون فيه.
الكلام بهذه الطريقة، يجعلك تسأل عن عدد الاشخاص الذين معهم شهادات مزورة في الاردن، سواء أقاموا بتزويرها بعيدا عن الانظمة الالكترونية لوزارة الصحة أم من خلال هذه الانظمة.
كلام الوزير ايضا يبني للمجهول هذا العدد، ويجعلك تظن ان العدد الفاً او الفين، وربما عشرة الاف، ولا عدد حصرياً هنا، لنسأل انفسنا اولا عن تفشي ظاهرة التزوير، وكيف تتم، وماهي آلياتها، وكيف تم رصدها، وبالتالي ما هو تأثيرها في النسبة المعلنة لمتلقي اللقاح في الاردن، بجرعتيه.
هل فكر الوزير مع تقديرنا لخبرته وشخصه بتأثير هذا الكلام في سمعة النظام الصحي في الاردن، فإذا كان الوزير نفسه يتحدث عن وجود شهادات مزورة للتطعيم، فلا تلام اي دولة عربية او اجنبية اذا شككت بشهادات المطاعيم الصادرة عن الاردن، لأن هذه الدول ليس لديها الوقت لتتأكد من صدقية هذه الشهادات، اضافة الى ان الكلام بشكل عام يضرب كل شهادات اللقاحات، ويجعلها تحت التشكيك، في ظل ظروف باتت دول كثيرة، تفرض فيها الجرعة الثالثة المعززة، فيما نحن نقول ان بعض شهاداتنا غير موثوقة، او مزورة، بطريقة من الطرق.
هل يصدق معالي الوزير، أن يأتي مواطن أردني بقدميه الى وزارة الصحة، ويقول لهم انه زوّر شهادة المطعوم عبر اي مختص في التزوير، او بتعاون من طرف ما، لابد ان يحدده، بحيث يجد نفسه امام قضية تزوير في وثائق رسمية، قد تقوده وغيره الى السجن، والسؤال هنا، معروف جوابه حتى لدى الوزير، فلا أحد سيأتي ليعترف بالتزوير، حتى لو اصيب بكورونا وبالكوليرا وبالزهايمر في يوم واحد.
ربما يعتبر الوزير كلامه نوعا من الشفافية، لكن الفرق بين الشفافية، وايذاء الذات، فرق بسيط جدا، وفي مثل هذه الحالة، نحن لا ننكر حالات التزوير، لكن طريقة المعالجة خاطئة جدا، اذ لا يعقل ان يقال هذا الكلام، مع معرفتنا ان حالات التزوير على الاغلب قليلة جدا، لكن اشهارها بهذه الطريقة ربما يؤذي سمعة كل حملات الحصول على اللقاح في الاردن، ويفتح العيون القادحة في الدول العربية والاجنبية ضدنا، باعتبارنا بتنا نتوسل المزورين للاستغفار ومراجعة الصحة للتوبة.
لقد قيل مرارا وفي عهد حكومات متعددة، ان الوزراء لا بد ان يخضعوا لدورات في فنون الاعلام والكلام والمحتوى، سواء خلال تعاملهم مع وسائل الاعلام، او وقوفهم امام النواب، وغير ذلك، من اجل تقدير كلف الكلام، قبل قوله، وهذا فن بحد ذاته، لا يجيده كثيرون، والا كيف نفسر كل زلات اللسان، والاخطاء، والانزلاق عبر تصريحات مؤذية، تضر البلد، قبل غيره في كل الاحوال؟
قد يكون الوزير صادقا، بقصة الشهادات المزورة، لكن معالجته للخطأ اسوأ من الخطأ، وليعذرنا معاليه، فلا احد يتصيد في بحيرته الصافية او العكرة، لكنه بالتأكيد أضر بسمعة القطاع الصحي، اكثر من اولئك الذين زوروا شهادات المطاعيم، ومن ساعدهم على ارتكاب هذه الجرائم.