مهما تعددت برامج وخطط الحكومة لمواجهة البطالة، فإن أفضل النتائج المرجوة هي إيقاف تزايد معدلاتها الخطيرة فقط لا غير، وقد يكون هذا الإيقاف مؤقتا لحين بروز تطورات قد تسهم في عودة المنحنى للصعود من جديد.
المشهد المحلي الراهن للبطالة التي وقفت عند معدلات الـ23.2 % هو مشهد سلبي للغاية في ظل معدلات نمو متباطئ لا تتجاوز أفضل التقديرات تفاؤلاً معدل 2.7 % للعام الحالي، وهي نسب متواضعة بكل المقاييس التي تؤكد أن مواجهة البطالة بهذه الأساليب والإجراءات لا يمكن أن تحقق خطوات ملموسة على أرض الواقع، فالأمر أشبه بإجراءات التخدير التي يقوم بها الطبيب للمريض. برامج التشغيل التي تقوم بها الحكومات مع القطاع الخاص غالبيتها فشلت في استدامة التوظيف، فالغالبية ممن يلتحقون بهذه البرامج لدى الشركات في القطاع الخاص يغادرونها بعد أشهر قليلة إن لم يكن أسابيع رغم توفر الراتب والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، فعقلية الشباب الشباب الجامعي ما تزال معلقة بالوظيفة المناسبة خاصة الحكومية منها، أما الأعمال الأخرى فهي مرفوضة من الداخل وتلقى مقاومة شديدة لرفضها، خاصة القاطنين خارج العاصمة. اليوم لدينا ما يناهز الـ150 ألف شخص يدخلون سوق العمل سنويا، منهم ما يزيد على الـ88 ألف خريج جامعي بمختلف المستويات، والاقتصاد بقطاعه العام لا يملك القدرة على خلق فرص عمل جديدة، وقدرته الوظيفية لا تتجاوز في أحسن الظروف 7000 وظيفة غالبيتها في قطاعي الصحة والتربية والتعليم. هذا المشهد يقودنا باتجاه القطاع الخاص الذي بات المحرك التنموي الرئيسي في الاقتصاد الوطني، وهو قطاع يعاني اليوم من تحديات تنافسية عالية، إضافة الى حزمة معيقات متنوعة في تعاملاته اليومية مع أجهزة الدولة المختلفة، التي في مجملها تشكل عقبات تحول دون استمراريته وتوسعه. حل مشكلة البطالة لا يكون إلا بالتفكير خارج الصندوق، والكرة في ملعب الحكومة بالتأكيد بأن مفاتيح الحل يجب أن تدق أبواب القطاع الخاص، ويكون هذا الأمر من خلال إستراتيجية جديدة في التعامل معه تحقق نتائج إيجابية فورية على المديين القريب والمتوسط يكون محتواها ومضمونها الاستثمار الجديد. الاستثمار الجديد هو الحل الوحيد الفاعل الذي يمكن أن يقلل من مستويات البطالة ويعيدها إلى مربعها الأول الآمن نسبيا، والاستثمار يحتاج قبل كل شيء إلى تفهم وإيمان حكومي كامل بالأمر وأن يرتبط بمجلس الوزراء لا بوزير معين، فمسؤولية الاستثمار وتنميته مسؤولية كل الوزراء. الاستثمار هو مفتاح الحل لمواجهة البطالة، لذلك فإن الأمر يتطلب خطة عمل حكومية في الميدان باتجاهين هما: أولا: العمل مباشرة مع المستثمرين القائمين والتباحث معهم حول الأسباب الراهنة التي تحول دون توسعة أنشطتهم الاقتصادية، التي في غالبيتها أسباب إدارية بحتة ليس لها بعد مالي على الخزينة، ومن ثم العمل عليها بالشكل السريع، وربط أي حوافز أو تسهيلات بالتدريب والتشغيل الجديد الفوري. ثانيا: عمليات جذب الاستثمار الأجنبي الى الأردن التي تحتاج اليوم الى حملات ترويج وبحث عن الأموال التي تريد مواطن آمنة للاستثمار في ظل المتغيرات السياسية والأمنية والاقتصادية والإقليمية والدولية التي تجعل من الأردن، بما يتمتع به من مكانة واستقرار، موطنا جاذبا لتلك الأموال الباحثة عن استثمارات مستقرة لها، وهذا يكون من خلال حملات الترويج المبنية على قواعد استثمارية محكمة توضح حقوق المستثمرين وتعزز قابلية وجودهم في المملكة. الاستثمار هو الوصفة السحرية التي تمكن الاقتصاد من خلق فرص عمل جديدة وغير تقليدية، وهو الوحيد القادر على تقليل البطالة، لكن بحاجة لفريق عمل مؤسسي يتعامل معها بشكل نوعي يؤدي لاختراق إيجابي في المشهد الاقتصادي للدولة.