الذي يقول لك إن الأردنيين لا يقبلون بأي وظيفة، غير صادق، او انه يردد كلاما قديما سبق أن قيل في مناسبات سابقة، لكن الواقع تغير، فالناس بسبب ظروفهم الاقتصادية يقبلون أي عمل.
حين يقول لك الإعلامي والقانوني خبير التأمينات والحماية الاجتماعية موسى الصبيحي، إن هناك نحو ربع مليون موظف أردني من مشتركي الضمان يتقاضون 300 دينار فما دون، فهذا يثبت أمرين، أولهما أن الأجور منخفضة، وثانيهما ان هؤلاء المسجلين يقبلون بأجور منخفضة، بسبب ظروفهم الاقتصادية، مع وجود احصاءات مذهلة في الاساس على عدد الأردنيين الذين يعملون بأجور اقل من 200 دينار ايضا، وهذا يعبر عن تشوه اقتصادي لا بد من معالجته فورا.
هذه اجور لا تأتي للناس بأقل التزاماتهم، وهي لا تغطي شيئا، واصحابها يضطرون لهكذا رواتب بسبب ظروفهم من جهة، ولكون الحد الادنى من الاجور منخفض ايضا، برغم تحسينه مؤخرا.
الاختلال يكمن ايضا في عدد العاملين الوافدين من عرب واجانب الذين يتجاوز عددهم مليون شخص، وهؤلاء يأخذون حصة كبيرة من حصة الأردنيين، وبرغم ما يقال عن عمليات الحماية للوظائف المخصصة للأردنيين، إلا أن هناك حالة فلتان، في مهن كثيرة من حراس العمارات، مرورا بمن يغسلون السيارات، وصولا الى بقية المهن الحرفية، والعمل في المطاعم مثلا.
هذا يعني ان الأردني الذي يقبل براتب دون 300 دينار، لديه الاستعداد للعمل في اي وظيفة، فهم لا يتكبرون عن العمل، والمفارقة ان العمالة الوافدة، قد يكون تحصيلها المالي، اعلى في بعض الحالات، سواء العمالة المحترفة، او الشغيلة من العمال وغيرهم، ومن جنسيات مختلفة.
لا تعرف لماذا لا تتمكن الحكومات المتتالية من حل هذا الملف جذريا، الا اذا كانت العلاقات السياسية مع دول مختلفة، تمنعها من اتخاذ موقف تجاه العمالة الاجنبية التي يخالف اغلبها.
الارقام الدولية والرسمية تتحدث عن نصف مليون عاطل عن العمل في الأردن، واغلبهم من الجامعيين، والجامعي في الأردن يقبل بأجور منخفضة حتى لا يبقى اسيراً في البيت، واغلبهم بات يقبل ان يعمل في مهن ليست على صلة بمؤهلاته اصلا، واكبر معروف يمكن لأي حكومة ان تفعله، اضافة الى برامج التشغيل التي يتم الاعلان عنها، تخفيف المزاحمة على الاعمال، من جانب العمالة الوافدة، فهذا يفتح الباب للأردنيين، تدريجيا، لاستعادة الوظائف من السوق.
القصة هنا، ليست قصة اثارة الكراهية بحق احد، فالجميع محل احترام، ولا كراهية بحق احد في الأردن، لكنها الاولويات التي يتوجب ان تكون واضحة، لدى من يخططون للقرارات في عمان.
لو جلس اي مسؤول حكومي وحسب مبلغ الـ300 دينار وكيف يتم انفاقه لاكتشف ببساطة ان الناس يهربون فقط من البيوت الى اي وظائف، لأن خصم كلف المواصلات والاتصالات والتدخين، تقول لك انه لا يعود الى منزله فعليا، الا بقيمة الايجار فقط، هذا اذا كان كافيا، فمن اين يتدبر الناس، اوضاعهم، حتى لو كانت زوجات بعضهم تعمل في ظل هذه الظروف؟
مع نهاية كل فصل دراسي، تخرج اعداد جديدة تبحث عن الوظائف، ولا تجدها، ولو عدنا الى عدد الذين ارتكبوا الجرائم، لوجدنا كما في دراسة رسمية سابقة اجرتها وزارة العدل، ان من بين مليون جريمة تم ارتكابها بين عامي 2013 و2017 اعترف 50.4 بالمائة من الذين ارتكبوا هذه الجرائم وممن في نزلاء مراكز الإصلاح بأن سبب عودتهم للجريمة هو عدم وجود فرص عمل لهم في سوق العمل، وهذا يعني ان الارتداد على صعيد الجريمة ليس سهلا، بإقرار الارقام الرسمية.
القطاع الخاص بدوره مرهق، بسبب الضرائب والرسوم، وكلف الانتاج والطاقة وغير ذلك، وهو بالكاد قادر على دفع رواتب من فيه، ومطالبته فقط برفع الرواتب، دون مساعدة، يبدو تهربا من المسؤولية الرسمية في هذا الصدد، فأنت لا تطالب المرهق، بمزيد من التعب والوهن والارهاق.
الحل يكمن في تحريك الاقتصاد ذاته، ومساعدة القطاع الخاص، ورفع الحد الادنى للأجور، وتنظيم سوق العمل، بشكل جاد، والتخطيط للسنوات المقبلة، لأننا امام مشكلة تتعاظم، يوما بعد يوم، وتزيد قلة الاجور من حدتها، وكأن من يعملون ينفقون على صاحب العمل ومشروعه.