بينما تتكشف فصول صفقة ترامب المشؤومة، اختار جلالة الملك عبدالله الثاني أن يكون بين أبناء شعبه في محافظات الجنوب، ضمن جولات ميدانية تشمل مختلف مناطق المملكة.
جولات يقف فيها القائد على تفاصيل حياة مواطنيه وتحديات التنمية والبناء. وينخرط في حوار مباشر مع المواطنين وممثلي الفعاليات الشعبية لتذليل العقبات في طريق تنفيذ المشاريع التنموية وتطوير قطاع السياحة تحديدا الذي يشكل رافعة اقتصادية مهمة، وبابا رئيسا لخلق فرص عمل وزيادة الدخل الوطني.
إذا كنت تسأل عن الكيفية التي نبني فيها جبهتنا الداخلية ونصلب عودها في مواجهة تحديات الصفقة الكارثية وتداعياتها الوخيمة، فإن الملك يقدم الجواب، التواصل المفتوح مع المواطنين في مواقعهم، والاستماع لهمومهم، والعمل الفوري الحاسم على حل مشكلاتهم، ليشعر كل مواطن أردني بأن الدولة ما تزال وستبقى قوية، ترعى مصالحه، وتهتم بشؤون حياته، وتسعى لتحسين مستوى معيشته.
الناس هم عمق الجبهة الداخلية القوية، والدولة الأردنية في لحظة تاريخية ليس أمامها من خيار لاجتياز المحطة الصعبة سوى تمتين العلاقة بين القيادة والشعب.
بهذا النهج تمكن الأردن في عهد الحسين رحمه الله من اجتياز الامتحانات العسيرة التي واجهت الأردن، فما أن نواجه منعطفا حاسما تجد الحسين يقف واثقا مطمئنا بين أبناء شعبه. بفضل هذه العلاقة الفريدة من نوعها تمكن الأردن من الانتصار على التهديدات الوجودية التي صاحبت تاريخه.
على أبواب مئوية الدولة الثانية، يجد الأردنيون ومليكهم أنفسهم في مواجهة امتحان جديد لا يقل صعوبة عن امتحانات المئوية الأولى. والملك على نهج والده العظيم، يعرف سر الصمود والخلطة السحرية للبقاء والاستمرار والاستقرار؛الالتفاف الشعبي حول القيادة.
ليس صحيحا أن تهديدات اليمين الصهيوني بحق الأردن والملك غير مسبوقة، السردية البغيضة ذاتها سمعناها مئات المرات طوال سنوات حكم الحسين، ومنذ ولادة الكيان الغاصب، وفي ظروف أشد خطورة من ظروفنا هذه. وكما اليوم كان الحال بالأمس، فهناك على الدوام أصوات ترتعد وتتواطأ مع أصوات اليمين، وقلق يسود الأوساط العامة، لكن سرعان ما تتبدد غيوم التشكيك والخوف ويخرج الأردن شعبا وقائدا أكثر قوة.
إننا نعيش اليوم لحظة مشابهة، وفي مناخ عربي ودولي قاتل، يسود فيه الانكسار والهوان العربي، وتتجلى العربدة الصهيونية والانحياز الأميركي غير المسبوق لإسرائيل. لكن مهما تعاظمت التهديدات، فإن الأولوية هي التمسك بروايتنا التاريخية المنصفة للصراع مع العدو، وثوابتها،وبالدولة الأردنية القوية والقادرة، وبقيادتها التي لم تخذل شعبها يوما، وبقدرة هذه القيادة على إدارة المرحلة بكل تعقيداتها، والخروج منها بأقل الخسائر.
على أرض فلسطين التاريخية يعيش اليوم أكثر من ستة ملايين فلسطيني، لم تفلح سياسات التهجير والاحتلال والتهويد والقهر في إجبارهم على ترك أرضهم، ولن يكون بمقدور ترامب وخطته ونتنياهو وسياساته التطهيرية أن تدفع فلسطينيا واحدا على مغادرة بيته وأرضه. اللاجئون أكثر تمسكا بحقهم في العودة، والشعب الفلسطيني لن يتنازل عن حقه في الدولة المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف. لن يقدم الفلسطينيون أبدا صك الاستسلام.
الأردنيون والهاشميون كما هم لن يبدلوا أو يتنازلوا، والصفقة ليست نهاية الصراع، وأمامنا التاريخ بطوله وعرضه.