تشهد عمّان عقد قمة ثلاثية أردنية مصرية عراقية، خلال الأسبوع الجاري، وهذه هي القمة الثالثة التي تعقدها ذات الأطراف، لكنها تأتي في ظل توقيت مختلف.
القمتان السابقتان تم خلالهما التركيز على الملف الاقتصادي، وبالنسبة للأردن فإن العراق ومصر يجاوران الأردن، بما يعنيه ذلك من تأثير سياسي، واقتصادي، وأمني، خصوصا، في ظل التغيرات التي تجري في الإقليم، والتغيرات المتوقعة خلال الفترة المقبلة. بقيت علاقة الأردن مع المصريين والعراقيين، جيدة إلى حد كبير، برغم أن للبلدين مشاكلهما ومشاغلهما الكثيرة، واللافت للانتباه هنا أن الأردن يحاول أن يكون جزءا من معسكر تختلف فيه المرجعيات السياسية، فمصر أقرب سياسيا إلى الأردن لاعتبارات كثيرة، فيما العراق يواجه إشكالات بسبب النفوذ الإيراني، فوق الأزمات الاقتصادية والشعبية.
برأي مراقبين ان القمة الثلاثية تقترب في ظلالها من نمط مجلس التعاون العربي الذي كان يضم الأردن، مصر، العراق، واليمن، وهذه الأيام غائبة لاعتبارات كثيرة، لكن المقارنة بين الحالتين قد لا تكون دقيقة، هذه الأيام، فهذه الثلاثية ليست تحالفا بالمعنى المعتاد ضد أحد، وليست أيضا شكلا من أشكال التجمعات ذات النظام الداخلي، على طريقة مجلس التعاون العربي، الذي كانت له مؤسساته وأنظمته قبل أن يلقى حتفه لاعتبارات كثيرة. من الواضح أن كل مؤسسات العمل العربي المشترك تعاني اليوم، ضعفا وهشاشة، وفشلت في تغيير الواقع العربي، أو الاستفادة من الموارد والثروات، وعلى ما يبدو أصبح البديل يتركز على النزوع إلى تحسين علاقات الجوار الثنائية أولا، وإلى تعزيز العلاقات على صعيد ملفين، الاقتصادي والأمني، كون الاقتصادي هو الأهم، فيما المهددات الأمنية تتشابه وتحديدا على صعيد ملف الإرهاب، والتهديدات الإقليمية التي تتنوع مصادرها وأسبابها.
هذه القمة الثلاثية ربما الأولى من نوعها على صعيد لقاءات المسؤولين منذ وباء كورونا الذي عزل الدول، وجعل الاتصالات الهاتفية والتنسيق عن بعد بديلا للقاءات المباشرة. لم تعقد هذه القمم في بغداد ولا عمان، سابقا، إذ ان القمة الأولى تم عقدها العام الماضي في شهر آذار في القاهرة وركزت على المشاريع الاقتصادية والمناطق الصناعية المشتركة والتعاون في قطاعات الطاقة، فيما القمة الثانية تم عقدها في نيويورك في شهر أيلول على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، وركزت على القضية الفلسطينية.
على الأرجح أن القمة الثالثة ستشهد كلاما عن ذات المواضيع، أي الملف الاقتصادي خصوصا بعد تأثيرات وباء كورونا على الإقليم والعالم، إضافة إلى القضية الفلسطينية، وبرغم غياب الفلسطينيين عن هكذا قمم، وعدم وجودهم طرفا رابعا، برغم الجوار الجغرافي، والقضايا المتصلة بهم، إضافة إلى الملف الاقتصادي، إلا أن القمة الثلاثية أخذت نسقا محددا، قد لا يبدو قابلا للتطور، حتى لا يبدو تحالفا جديدا في المنطقة، أو شكلا من أشكال اللوبي السياسي، خصوصا، كما أشرت أن هناك عوامل افتراق جزئية قد تبدو قائمة، تجعل التنسيق السياسي، بشكل كامل، أمرا غير ممكن، في ظل وجود الإيرانيين في المعادلة العراقية.
علينا أن ننتظر قليلا لقراءة دوافع القمة الثلاثية في هذا التوقيت، وما سيخرج به بيان القمة من رسائل، خصوصا، أن العام الماضي شهد قمتين، فيما هذه أول قمة لهذا العام، لكن الفرق يبدو واضحا، ويرتبط بحساسية التوقيت على صعيد الإقليم والعالم، والصراعات التي تلقي بظلالها على كل شيء، فوق المصاعب الاقتصادية التي لا يمكن أبدا التهوين منها.