للمرة الثالثة خلال فترة قصيرة، تقوم إسرائيل، بمنع عمليات الترميم داخل المسجد الأقصى، وآخرها كان منع أعمال لصيانة مسجد قبة الصخرة، في ظل اغلاقات للحرم القدسي.
التصرفات الإسرائيلية ضد الحرم القدسي، تتواصل، وقد كشفت اوقاف القدس، مؤخرا، عن قيام وفد إسرائيلي، بعمليات قياس للمساحات والابنية داخل الحرم القدسي، إضافة الى ما يتردد عن عمليات استيلاء على بيوت لشخصيات مقدسية معروفة، في سياقات السطو على كل المواقع العربية والإسلامية، وتغيير هوية المكان، وتركيبة سكانه الاجتماعية.
هذه ليست اول مرة، تتجرأ فيها إسرائيل على الحرم القدسي، وتحاول فرض سيادتها عليه، بل ان الصراع يشتد الآن على ملف السيادة، وبحيث تريد إسرائيل السيطرة الكاملة على كل الحرم القدسي، في ظل تهديدات إسرائيلية متواصلة من جانب الجماعات المتطرفة، وبرعاية الشرطة الإسرائيلية، عبر عمليات الاقتحام، وتهديد المصلين، والتحكم بالبوابات، واعمار المصلين، خلال الأيام العادية، فيما جاء وباء كورونا، مفيدا لإسرائيل من اجل اغلاق الحرم القدسي، ومنع الصلاة فيه، تحت ذريعة تقول ان التجمعات تسبب العدوى.
في الوقت الذي تمنع فيه إسرائيل عمليات الترميم، داخل الحرم القدسي، تواصل الحفريات تحت المسجد الأقصى، وحوله، وهذا يعني ان المنع هنا، كان سياسيا بالدرجة الأولى، في سياقات التحكم بالوضع داخل المسجد الأقصى، وهي سياقات بات واضحا، انها تقود الى مرحلة اخطر خلال الفترة المقبلة، ليس اقلها هدم احد المسجدين في الحرم القدسي، القبلي وقبة الصخرة، وكلاهما يعد الاقصى، او التقاسم الزمني، او الجغرافي، وهذه سيناريوهات إسرائيلية سبق التحذير منها مرارا خلال العقود الماضية، لكنها هذه الأيام، تطل على المشهد داخل المدينة، بطريقة غير مسبوقة، في ظل تغير عوامل إقليمية ودولية.
الازمة داخل الحرم القدسي، الذي تبلغ مساحته 144 دونما، ليست ازمة دينية، وحسب، بل ازمة سياسية، اذ ان المشروع الإسرائيلي، يريد محو هوية المدينة، وتغييرها، وفرض سيطرته الكاملة، امنيا وسياسيا، تحت مسمى السيادة، وقدرته على عرقلة وصول المصلين، او القيام بأعمال الصيانة المعتادة، داخل الحرم القدسي، واللافت للانتباه هنا، ان المخطط الإسرائيلي اشتد بعد اعتراف الإدارة الأميركية السابقة، بالقدس، عاصمة لإسرائيل، وكأن الاحتلال حصل على الضوء الأخضر، لمواصلة مشروعه، ضد الحرم القدسي.
منع عمليات الترميم، يجري أيضا لاعتبارات على صلة بترك الموقع، حتى يتأثر سلبيا بسبب عوامل الزمن، وكل التقارير تؤكد ان هناك إشكالات في تماسك الأبنية، وصمودها، بسبب العمر، وحالة الجو، والتقادم، إضافة الى عمليات الحفر تحت اساسات المسجد الأقصى، والانفاق التي أقامها الاحتلال، بما يجعل كل الحرم القدسي، مهددا، بعد هذه التغيرات، التي قد تقود الى سقوط بعض الأبنية او الجدران، او حدوث حفر في ساحات المسجد، وهذا امر سبق ان تم رصده داخل الحرم القدسي، بشهادة الخبراء والمصلين، الذين وثقوا هذه الحوادث، وتم الإعلان عنها، امام وسائل الاعلام العربية والدولية.
منع عمليات الترميم، أياً كانت ذريعته المعلنة، الا انه يؤشر على نوايا إسرائيلية خطيرة جدا، في هذه المرحلة، لأن التحكم في المشهد هذه الأيام، من جانب إسرائيل وصل اعلى درجاته، بذريعة وباء كورونا، والاغلاقات في البلدة القديمة، لكن هذا المشهد يعبر أيضا عن ممارسة إسرائيل للسيادة، والتحكم بكل ما يجري داخل المسجد الأقصى، بطريقة قد تقودنا الى تطورات إضافية خلال المرحلة المقبلة، على كافة الأصعدة في القدس.
هذا ملف لا بد من التعامل معه بطريقة مختلفة، خصوصا، مع اشتداد الاخطار، فنحن لسنا امام موقع اثري، بل امام موقع ديني، له دلالة سياسية واجتماعية أيضا، خصوصا، في هذا التوقيت، الذي يؤشر على مخاطر متزايدة، وعلى ان إسرائيل لن تتوقف عن ممارساتها.