يقتل الاميركيون الجنرال قاسم سليماني، فيرد الإيرانيون بعشرات التصريحات التي تهدد بالانتقام من الاميركيين، وتكون المفارقة ان الانتقام يقع على الإيرانيين بدلا من الاميركيين.
يتم اغتيال سليماني، ثم عشرات التصريحات التي تهدد الاميركيين، ولاحقا تشييع جنازة سليماني، وبسبب الاعداد الكبيرة يموت ويجرح اكثر من مائتي ايراني، وكأن التهديد ضد الاميركيين، ينقلب مثل السحر ضد الإيرانيين، ثم قصف المنطقة الخضراء في بغداد حيث السفارة الأميركية، فلا تصيب الصواريخ السفارة، بل تتم إصابة عراقيين، وكأن التهديد ضد الاميركيين يتنزل على الإيرانيين والعراقيين، فقط، ثم قصف قاعدتين اميركيتين، فلا يتضرر أميركي واحد، بل للمفارقة الثالثة يتم بالخطأ قصف طائرة اوكرانية في ذات الساعة، فيموت عشرات الإيرانيين وعشرات الكنديين الإيرانيين وأوكرانيين وجنسيات أخرى، وكأن التهديد الإيراني، ينقلب مثل السحر، فيموت الإيراني، بدلا من الأميركي المستهدف، في مشهد مثير للتساؤلات حقا.
هذه ليست شماتة بالشعب الإيراني، لكنها تساؤلات حول إدارة الأمور في ايران، اذ ظهرت ايران بصورة ضعيفة جدا، من حيث رد الفعل، مثلما ان الاميركيين اثبتوا وجود خروقات كشفت تحركات سليماني، وربما القرار بقصف القاعدتين الاميركيتين، هذا فوق اهتزاز الثقة بالمؤسسة الإيرانية الرسمية، التي هددت بالويل وعظائم الأمور لكنها لم تفعل شيئا، فوق نفيها لأي صلة بحادثة الطائرة الأوكرانية ثم اضطرارها للاعتراف بالمسؤولية.
ارتداد كل هذا على الداخل الإيراني، سلبي جدا، والذي يحلل المشهد على أرضية من الشماتة بسوء الإدارة الإيرانية عليه ان يتمهل قليلا، لأن طهران امام وطأة المشهد الداخلي والدولي لن تقبل ان تتجرع مرارة الكأس، خصوصا مع كل هذه الاعداد من الضحايا الإيرانيين بعد مقتل الجنرال سليماني.
النظام الإيراني محشور في زاوية حساسة، عقوبات اقتصادية، ضغط دولي، استهداف للمؤسسة العسكرية والأمنية، تململ داخلي، مظاهرات، غياب مصداقية النظام، ثم عدم الثقة بقدرة النظام على الثأر من خصومه، دون ان يكون الضحايا من الإيرانيين فقط، إضافة الى التساؤلات حول القدرات العسكرية الإيرانية حين لا يميز الرادار العسكري بين طائرة مدنية او عسكرية او صاروخ، فيتم القصف بشكل اعمى.
طهران لن تقبل ان يتشكل هذا المشهد الضاغط على خاصرتها، وهي على الأرجح قد تسعى الى استرداد ماء وجهها عبر طرق مختلفة، والمؤشرات تتحدث عن عمليات كبرى محتملة ضد المصالح الأميركية في افريقيا اذ توجد قواعد عسكرية أميركية، ومراكز امنية في اكثر من ستين موقعا في دول هشة، وكما أشرت في مقال سابق قد يتم تنفيذ هذه العمليات على يد تنظيمات إسلامية عسكرية سنية مثل القاعدة او غيره، تخترقها ايران، وليس عبر تنظيم إيراني او عراقي شيعي، حتى لا تتنزل الكلفة على طهران في هذه الحالة.
اعتقد جازما ان حاجة النظام الإيراني الى مخرج نجاة امام الشعب الإيراني ستدفعه الى عدة مسارات يختار احدها، الأول تنفيذ عملية كبرى يسقط فيها اميركيون دون نسب العملية الى ايران، والثاني تصنيع تنظيمات عسكرية سنية وشيعية جديدة في العراق بعيدا عن التنظيمات الموجودة للتعرض للمصالح الأميركية، وثالثها خلخلة الامن في دول عربية لا تشهد خللا امنيا وهي دول مهمة لأمن الإقليم والولايات المتحدة وإسرائيل، وبحيث يتم فتح جبهة جديدة غير متوقعة، وهناك اكثر من دولة مرشحة، ورابعها بدء التفاوض مع الاميركيين عبر وسطاء من اجل الوصول الى تسوية كبرى.
الذين يقولون ان ايران لن تلجأ الى احد تلك المسارات، وان الحل المتاح امامها مواصلة مشروع تمددها في الإقليم، ولا كأن شيئا حدث، يتحدثون بسطحية، لأن توقيت ما بعد مقتل سليماني وتداعيات ذلك، مختلف عما بعده، سواء على صعيد نظرة الإيرانيين الى النظام، او ظهور النظام بصورة ضعيفة عسكريا، من حيث قصف طائرة مدنية بالخطأ او تعمد عدم إصابة قواعد أميركية، او عدم القدرة على ذلك، او على صعيد تغير معادلات النظام مع الروس الذين بدأ مشروعهم للتو من اجل اخراج الإيرانيين من مناطقهم وتحديدا في سورية، وصولا الى بقية العوامل الضاغطة على ايران في هذا التوقيت.