باشر رئيس مجلس النواب عبد المنعم العودات مشاوراته مع الكتل واللجان النيابية بهدف تفعيل فكرة مدونة السلوك النيابية، بعد توجيهات ملكية بهذا الخصوص.
جلالة الملك تناول الموضوع خلال لقائه قبل أسبوعين رئيس المجلس ورؤساء ومقرري اللجان النيابية. القصد الملكي من وراء تفعيل المدونة هو صيانة سمعة مجلس الأمة، وإبعاده عن الشبهات والاتهامات،وضمان أعلى معايير النزاهة في السلوك النيابي، وتجنب الممارسات الشاذة التي عانت منها الحياة النيابية في وقت سابق، وساهمت في تراجع الثقة الشعبية بدورها ومكانتها.
ولطالما عبر جلالته عن انزعاجه وغضبه الشديد من تلك الممارسات، لأن سمعة المؤسسات التشريعية والتنفيذية، تعني سمعة الدولة التي يتولى الملك بحكم الدستور صيانتها وحمايتها.
رئاسة النواب أخذت على عاتقها المسؤولية، وهي في الطريق لإنجاز المهمة، رغم اعتراضات نيابية ترى في النظام الداخلي مدخلا كافيا لتحقيق الهدف المنشود. لكن ينبغي التذكير هنا بأن النظام الداخلي لمجلس النواب على ما فيه من مواد متقدمة لم يمنع ممارسات غير محمودة شابت الحياة النيابية. ومواثيق الشرف أو مدونات السلوك في تعريفنا الأردني، أسلوب دارج في عديد المؤسسات والسلطات العالمية، ويعد بمثابة تعهد أخلاقي يلزم صاحبه الالتزام بقيم الوظيفة العامة وتمثيل الشعب بعيدا عن المصالح الشخصية.
لكن اعتماد مدونة السلوك، ربما يحتاج لخطوات أخرى لتكريس ثقافة جديدة في مؤسسات الدولة التشريعية، تضمن بشكل قاطع عدم تضارب المصالح، وانتفاء المسالك المتاحة لاستغلال النفوذ.
من هنا يبدو التفكير بمبدأ التفرغ للنواب أمرا ملحا. حظي هذا الاقتراح بنقاشات واسعة في السنوات الماضية، لكن احدا لم يقدم على التعامل معه بالجدية الكافية.
من حق النيابة على النواب التفرغ الكامل للواجبات التي نص عليها الدستور، وهي مهمات جسيمة، تفرض على النائب وبحكم الحالة الأردنية العمل ليل نهار للوفاء بمتطلباتها. ويصعب على المرء أن يتخيل النائب الطبيب أو المحامي أو صاحب شركة مقاولات مثلا، يوفق بين عمله اليومي وعضويته بمجلس النواب.
وفي حالات كثيرة تسبب الجمع بين الوظيفة والنيابة بتعقيدات كثيرة لعلاقة النائب مع الحكومة، وسجلت شواهد لا تحصى على مساوئ الجمع بين المهمتين، تمثلت في توظيف النيابة لصالح الوظيفة والمصلحة الخاصة.
لكن إلزام النائب بالتفرغ للعمل العام والنيابة يقتضي التفكير بصيغة منصفة تضمن له دخلا شهريا كافيا يغنيه عن دخل مكتبه أو عيادته أو شركته. بالتأكيد لن تكون المكافأة بنفس مقدار الدخل من شركة كبرى، لكن على الأقل تحقق الدخل المطلوب لتوفير حياة مريحة للنائب وعائلته.
وفي ذات الوقت لا بد من ضمان حق النائب في الاشتراك بالضمان الاجتماعي عن طريق مؤسسته”البرلمان”، ليحافظ على حقوقه التقاعدية أسوة بالمواطنين العاملين في مختلف المجالات.
باختصار المطلوب تحصين النيابة وتمكينها من التفرغ للعمل البرلماني، دون الخضوع أو الانجرار وراء المصالح والمكاسب الشخصية، وتحويل النيابة إلى اداة من أدوات الاستثمار الوظيفي، وهي الظاهرة التي عانت منها الحياة البرلمانية في مجالس سابقة.
مبدأ التفرغ النيابي يعزز من استقلالية السلطة التشريعية، ويكفيها شر الشبهات والتورط في أعمال منافية لمبدأ النزاهة والاستقلالية، ويدعم دورها كسلطة رقابية وتشريعية همها الأول أداء واجباتها الدستورية وليس إرضاء الحكومة أو ابتزازها.
النائب مثل الوزير لا بل أهم بحكم واجباته الدستورية، فلماذا نشترط على الثاني التفرغ التام ولانفعل الشيء ذاته مع الأول؟