الوكيل الاخباري - افترض كثيرون أن توجيه النواب الانتقادات للحكومة وموازنتها للعام 2020 يعني حكما التصويت بردها، وهذا لم يحدث بالطبع.
أولا، هذا النهج في مناقشة النواب لمشاريع قوانين الموازنة ليس جديدا، فعلى مدار العقود الطويلة تنهال الانتقادات من النواب، والمطالب الخدمية، ثم ينتهي الحال بتصويت الأغلبية لصالح القانون، إذ لم يسبق لمجلس أن رد مشروع قانون موازنة.
ثانيا، قانون الموازنة مثل أي مشروع قانون آخر، فمجرد أن يقبله المجلس في المناقشة الأولى ويحيله للجنته المختصة، يكون قد وافق عليه من حيث المبدأ تاركا للجنة مهمة إجراء التعديلات اللازمة عليه ومن ثم عرض مواده للنقاش والتصويت تحت القبة مرة ثانية.
هذا ما حصل بالفعل، فاللجنة المالية، أشبعت القانون بحثا ونقاشا وقامت بإجراء تخفيضات غير مسبوقة في باب النفقات ساهمت في تخفيض العجز إلى أقل حد ممكن، ووضعت حزمة من الاشتراطات على الحكومة لتنفيذها مقابل الموافقة على القانون. وقد اضطرت الحكومة لإعلان تخفيض محدود على ضريبة المبيعات تشمل سلعا أساسيا كالألبان والأجبان واللوازم المدرسية امتثالا لقرار”مالية النواب”.
ثالثا، من الطبيعي في مثل هذه الحالة أن تلتزم أغلبية المجلس بتوصيات لجنتهم المالية بالموافقة على القانون وتوصيات اللجنة، وإلا فما قيمة اللجان وتوصيتها.
رابعا، حدة الانتقادات التي شهدناها في جلسات الموازنة، تنوعت أسبابها، فبعضها لاعتبارات شخصية، وبعضها الآخر لموجبات سياسية تخص نوابا يمثلون تيارات سياسية معارضة ينسجم خطابها مع اتجاهاتها التصويتية. أما السبب الأهم فهو اقتراب موسم الانتخابات النيابية والحاجة لكسب الشعبية قدر المستطاع، وهذا يحدث في كل مجالس النواب في العالم.
خامسا، معظم الانتقادات ولا أقول كلها، خلت من طرح بدائل وحلول مالية واقتصادية لما جاء في الموازنة من فرضيات، ناهيك عن سيطرة الخطاب السياسي العام على القراءة الاقتصادية لأرقام الموازنة، فقد حظيت قضايا كاتفاقية الغاز الاسرائيلي، وصفقة القرن، باهتمام أكبر من تحديات الدين العام والعجز والنفقات الجارية. وحملت بعض الخطابات النيابية تناقضا شديدا، من أبرز تجلياته، مطالبة الحكومة بخفض النفقات الجارية، وفي ذات الوقت الدعوة لزيادة الرواتب فوق الزيادة التي أقرتها الحكومة.
سادسا، من الواضح تماما أن بعضنا مسكونون بتسجيل المواقف للتاريخ أكثر من اهتمامهم بحسابات الحاضر والمستقبل المحفوف بالتحديات والمخاطر. ومن هذا المنطلق نجدهم يوجهون اللوم للنواب لعدم ردهم قانون الموازنة، دون إدراك لمخاطر ذلك على الوضع المالي والاقتصادي للبلاد. رد قانون الموازنة يعني تعطيل العملية الاقتصادية والتنموية لعدة أشهر، والاكتفاء بصرف الرواتب فقط لاغير، وتجميد خطوات الاصلاح المالي المنوي اتخاذها في إطار برنامج الاصلاح الجديد، بكل مايحمله ذلك من تداعيات خطيرة على الاقتصاد الوطني، نرى نماذج لها في عدد من البلدان العربية حولنا.
لاشك أن فرضيات موازنة 2020 تحوم حولها الشكوك، سواء لجهة قدرة الحكومة على تحقيق الإيرادات المستهدفة، أو المديونية، وتنفيذ مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، لكن هذه التحديات على أهميتها يمكن التحقق منها ومدى الالتزام بتنفيذها بالمتابعة والمراقبة الدائمة لعمل الحكومة،خلال الأشهر المقبلة، وليس برد الموازنة والبدء من نقطة الصفر، دون توفر القدرة والإمكانيات لتغيير جوهري في الفرضيات القائمة.