ما تزال الحكومة مترددة حيال فتح مزيد من القطاعات للعمل من جديد، في وقت يتنامى فيه القلق من الخسائر الاقتصادية المتراكمة. بالأمس أعلن رئيس غرفة التجارة أن لا نية لدى الجهات الرسمية بفتح قطاعات تجارية جديدة بداية هذا الأسبوع.
الفتح التدريجي لمحافظات الجنوب يجري بوتيرة بطيئة جدا. البداية كانت من العقبة، ولا نعلم السبب الذي يحول دون شمول محافظات جنوبية أخرى في القرار بنفس الوقت، بدل الانتظار أسبوعا إضافيا.
قررت خلية الأزمة في وقت سابق فتح المجال أمام العيادات الطبية الخاصة للعمل، لكن وزير الصحة عاد وأعلن تعليق القرار لحين التأكد من توفر الشروط الصحية اللازمة. وحصل الأمر ذاته مع قطاعات أخرى، تلقت وعودا بالعمل المتدرج ثم تعثرت الخطوات وسط تباين في وجهات النظر بين الأطراف المعنية.
لا يمكن لقطاعات صناعية وخدمية أن تعود للعمل ولو بنصف طاقتها دون تشغيل النقل العام والسماح للعاملين والموظفين التنقل بسياراتهم الخاصة. قائمة القطاعات التي أوصت لجنة الأوبئة السماح لها بالعمل وفق شروط صارمة، لن تتمكن من تحقيق هذا الهدف بدون حرية التنقل بالسيارات في ساعات النهار.
كما أن تزامن هذه الخطوات مع بداية شهر رمضان المبارك، تحتم على الجهات الرسمية التفكير بتوفير ظروف ميسرة للمواطنين الصائمين حتى على مستوى الوصول للأسواق وقضاء حاجاتهم الشخصية.
خزينة الدولة تواجه ضغوطا هائلة، وتعاني من تراجع حاد في الإيرادات لا يمكن تعويضه إلا بتشغيل ماكينة الإنتاج في جميع القطاعات. لقد استنفدت الحكومة الخيارات المتاحة بضبط الإنفاق، واتخذت ما يمكن وصفه بأقسى إجراء تقشفي لغاية الآن عندما أوقفت صرف الزيادات على رواتب العاملين في القطاعين المدني والعسكري، ولم يعد في جعبتها إجراءات إضافية على هذا الصعيد. هناك بالطبع فرصة لوقف صرف النفقات الرأسمالية، لكن هذه التدابير على أهميتها لن تحد كثيرا من عجز الموازنة، وستضطر الخزينة للاستدانة من المؤسسات الدولية، هذا إن توفرت سيولة تكفي لتغطية الطلب العالمي المرتفع على القروض.
لا شيء يمكن أن يعوض الخزينة عن الإيرادات المحلية، فضريبة المحروقات على سبيل المثال تدر ما لا يقل عن مليار دينار سنويا، وتوقف أسطول السيارات وحافلات النقل عن العمل يعني خسائر صافية. والضرائب بشقيها المبيعات والدخل، مورد رئيسي لا غنى عنه، لكن تدفقها مرتبط بعودة العمل في القطاعات الأكثر نشطا وإدرارا للدخل.
نتائج الفحوصات العشوائية التي تجريها فرق التقصي في مختلف المحافظات مشجعة للغاية، وتأتي كلها تقريبا بمؤشرات ممتازة تفيد بأن الفيروس لم ينتشر في بلادنا بوتيرة سريعة كما هو الحال في دول غربية. وحتى في حالة المخالطين كسائق الشاحنة في إربد فقد أظهرت نتائج أكثر من 400 فحص إصابة ثلاثة فقط من مخالطيه.
معنى ذلك، أن جهود احتواء الفيروس حققت نتائج طيبة، وإذا واصلنا التقصي بنفس الوتيرة لفترة مقبلة، فإن بمقدورنا التوسع في فتح القطاعات بسرعة ودون تردد، إلى جانب تطوير منظومة متكاملة لمراقبة مدى الالتزام بشروط التباعد والتعقيم المستمر لمواقع العمل.
خزينة الدولة لن تتحمل دفع المزيد من المساعدات النقدية للمتعطلين، ورجال الأعمال يدفعون للعمال عندما يعملون فقط. إذا كان بالإمكان اختصار التضحيات بالعودة للعمل فلماذا التردد؟