قد لا يتنبه البعض إلى انه في عز الكلام عن تحديث المنظومة السياسية في الأردن، يتواصل فرض قانون الدفاع، بما يعنيه من أحكام قسرية وجبرية، تتنافى في روحها مع الكلام عن الديمقراطية.
هذا يعني أن الدولة مطالبة بوقف تطبيق قانون الدفاع، الذي تم الإعلان عنه منذ أكثر من عام ونصف، ولم تطبق مثله، أغلب الدول العربية، فلم نعد بحاجة إلى القانون، بعد مرور كل هذه الفترة، إضافة إلى انه يعبر عن سيطرة مركزية، في مجالات يمكن ادارتها بشكل عادي عبر بقية القوانين، التي نراها في البلاد، من الصحة، إلى غير ذلك من ملفات تثير اهتمام الأردنيين، عموما.
يقول النائب المخضرم صالح العرموطي إن “الحكومة مطالبة بوقف العمل بقانون الدفاع، باعتباره يشكل اعتداء على السلطات الثلاث ويعطل عملها، كما أنه لا يجوز أن تتركز السلطة بيد شخص واحد يصدر القرارات وأوامر الدفاع دون أي رقابة، وأصبح هناك احتكار للسلطة، مشيرا إلى أن الحكومة أصدرت قرارات تجاوزت ما ورد بقانون الدفاع، كما أصبح بعض الوزراء يتصرف دون رقابة بحجة قانون الدفاع، وأن القانون وجد لأهداف محددة، والعمل به يجب ان يكون ضمن أضيق الحدود، مشددا على أن قانون الصحة العامة يكفي في المرحلة الحالية، وفيه تدابير ومواد تستطيع الحكومة استخدامها دون الحاجة لقانون الدفاع الذي يذكر بعهد الأحكام العرفية وقانون الطوارئ الذي لا يراد العودة له، متسائلا في تصريحاته كيف تسمح الحكومة في ظل قانون الدفاع باقامة الحفلات والمهرجانات وتمنع النقابات من اجراء انتخاباتها”؟!.
وحين تأتي هذه التصريحات، من قانوني بارز، شغل سابقا، موقع نقيب المحامين، إضافة الى نيابته، وتأثيره السياسي المعروف، فإن علينا التنبه لمضمون الكلام، فهو لا يأتي من باب المناكفة، ولا ابداء المعارضة، ولا لرغبة في لاذع الكلام، بسبب أو دون سبب، بل يعبر الكلام عن تقييم قانوني لكل المشهد، وهو تقييم يجب أن يؤخذ به، وألا نعاند لمجرد هوية صاحبه السياسية. القوانين في الأردن قادرة على تغطية الاحتياجات القانونية، على صعيد ملفات مثل الصحة، الحقوق المالية، وغير ذلك، ولهذا يأتي السؤال حول المنطق الذي يجعل دولة تتحدث عن منظومتها السياسية وتحديث قوانين الانتخابات والأحزاب، وغير ذلك، لكنها تواصل تطبيق قانون الدفاع، الذي تم فرضه في توقيت معين، وضمن اشتراطات محددة.
هذا التوقيت زال فعليا، ولا يعقل ان نقترب من نهاية العام الثاني، فيما يستمر قانون الدفاع، بكل تطبيقاته، الذي كان بالإمكان منذ أشهر وقفه، لصالح القوانين العادية، حتى لا يتم اتهام الأردن في المحافل الدولية، انه يتحدث عن الديمقراطية، في الوقت الذي يطبق قانونا يقترب بقوته وتأثيره من قانون الأحكام العرفية، ويركز السلطة بيد مسؤول واحد، يقرر ما يشاء.
حقوق العمال وبرامج الحماية الاجتماعية التي تدعم دفع أجورهم، والقضايا الصحية والاجتماعية، وحتى تعليمات الحظر- إذا عاد لا سمح الله – وكل القضايا المرتبطة بحماية المواطنين والحفاظ على صحتهم ومصالحهم الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك فرض الغرامات المالية، على من يخالفون الإجراءات الاحترازية، يمكن تغطيتها اليوم، بوسائل مختلفة.
المخاوف هنا، تكمن حول أمرين، أولهما الافراط في توقيت لاحق، في تطبيقات قانون الدفاع، بذرائع مختلفة، وثانيهما أن الأردن اعتاد التعامل مع الجائحة التي تم التذرع بها لفرض قانون الدفاع، وليس بحاجة للقانون اليوم، والا كيف كانت هذه البلاد تدار قبل قانون الدفاع ؟.. ثم إن المشهد حافل بالتناقضات، كما قلت سابقا، ولا تعرف كيف يتم هذا الخلط في حياتنا اليومية، قانون دفاع، مع كلام عن القوانين السياسية والحريات، والخلط هنا في بئر واحدة، وهو خلط ينفيه الرسميون ويقولون علنا، ان تطبيقات الدفاع لا توظف ضد الحريات، ولا الحقوق السياسية، وهو مفروض فقط لتغطية قضايا صحية وحقوقية، وان بإمكان الأردن ان يواصل مشواره بهذه الثنائية التي لم نر مثلها في شرق المتوسط، ولا حتى في نقوش الحفريات الأثرية.