الإثنين 2024-11-25 20:59 م

لن تنجحوا في كسب تعاطفنا

04:54 م
رغم غالبية عربية تنظر إلى الولايات المتحدة على أنها دولة عدوة، بسبب انحيازها السافر للاحتلال، إلا أنني، شخصيا، لا أراها كذلك، ولكنني لا أبرر لها هذا الانحياز الصارخ للصهاينة على حساب الحق الفلسطيني، والذي يتعدى الحسابات السياسية في كثير منه، يتعارض مع الإنسانية.

 
في العلاقات الثنائية بين الدول، فإن المصالح هي ما تدفعنا لتصنيف طبيعة تلك العلاقات، وبما أن أميركا ما تزال، رغم كل شيء، هي الداعم الأكبر للأردن، فمن باب أولى أن لا نخفي حقيقة أن دولا شقيقة تركت المملكة وحيدة وسط أمواج اقتصادية وسياسية عاتية، وكان يمكن لها أن تفعل شيئا في هذا السياق، إلا أنها لم تفعل، بل وقفت تتفرج على التحديات التي نواجهها، ولم يكن هناك سوى واشنطن التي وقفت إلى جانبنا.

في المقابل، نعي تماما أن الولايات المتحدة تقدم هذه المساعدات انطلاقا من مصالحها في المنطقة التي تفرض عليها استمرار علاقة متينة مع الدولة التي تقع في محيط مضطرب، وتملك حدودا طويلة مع مناطق الصراع، وأن استقرارها هو أساس استقرار الشرق الأوسط كاملا.

من منظوري كمواطن أردني يشهد التحولات الكبيرة واختلاف الأولويات في المنطقة، فإنني أتمسك بأولوية المصلحة الأردنية والقضايا المرتبطة بها، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وسأعتبر كل ما عدا ذلك ملفات قابلة للتأجيل أو النسيان، فمن البديهي أن لا أكترث سوى بهذا الوطن الذي يحتضنني.

الانحياز الأميركي لا يقتصر على دولة الاحتلال، حيث نراه ماثلا بدعمه لكييف في الحرب الروسية الأوكرانية، ومنطلقاته، أيضا، تحددها مصلحة أميركية ترى في روسيا عدوا قديما جديدا.

أول من أمس، عرضت السفارة الأميركية بالتعاون مع نظيرتها الأوكرانية أمام الإعلام فيلما بمناسبة مرور عام على الحرب الروسية الأوكرانية أطلق عليه year، ويتحدث عن الجزء الأوكراني من الحرب مستعرضا مشاهد منها، ومقابلات مع الرئيس زيلنسكي، وقادة أوكرانيين ومواطنين، استخدمت فيها مفردات لجذب تعاطف العالم مع الدولة التي تعرضت للدمار بفعل الآلة العسكرية الروسية.

بدأ الفيلم بمقابلة مع الرئيس الأوكراني، الذي استعرض مكتبه، وملابسه، و"البسكويت" الذي يأكله، وسريره الذي ينام عليه، شارحا كيف تضرر بصره جراء ساعات العمل الطويلة في الظلمة! 

فطرتنا الإنسانية تفرض علينا التعاطف مع كل إنسان يتعرض للقهر والظلم، وآمل أن يعود الاستقرار والأمن للشعب الأوكراني، لكن السياسيين لا يمكن التعاطف معهم، فلست معنيا بالرئيس الأوكراني وبصره وأين ينام، وماذا يرتدي وهو يبارك للاحتلال الإسرائيلي قتل الفلسطينيين العزل من شباب وأطفال ونساء، ويحتل أرضهم، ويقتل أحلامهم، ويحاصرهم اقتصاديا.

ولن تكسب السفارة الأميركية، أيضا، تعاطفي إزاء آلة الحرب التي أثرت علينا، وعلى العالم اقتصاديا، ودفعنا كلفة باهظة تجاهها، حتى أتلقى دعوة منها لمشاهدة فيديو عن العراق، والدمار الذي لحق به جراء الغزو الأميركي. أريد فيلما وثائقيا عن الشعب العراقي الذي ما يزال منذ أكثر من عشرين عاما يعاني من انعدام الأمن، والتمزق السياسي، والتفرقة، وتدخل الدول في شؤونه. أريد فيلما عن كيفية عودة العراق قويا كما كان، نصيرا للأمة العربية، وسندا لها.

أطلب من السفارة الأميركية، وبالتعاون مع السفارة الفلسطينية، أن تعرض لنا فيلما عن أطفال فلسطين الذين استشهد آباؤهم وأماتهم، وعن المنازل المدمرة، والأراضي المسلوبة، وعن حصار غزة، وعن حكومة احتلال متطرفة تتغذى على الاستيطان، وتروي عطشها من دماء الفلسطينيين، وتبني منازلها على التراب المقدس.

مرة أخرى، فإنه من زاوية المصلحة الأردنية فإنني لا أرى واشنطن عدوة، ولا يضيرني أن أجلس معها، وأتحاور، لكن هذا لا يعني أنها تستطيع أن تحاول غزو عقلي من خلال استدرار العواطف الزائفة، متناسية أننا شعوب نعيش في أتون هذا الدمار منذ أن خرجنا من بطون أمهاتنا. ولأننا كذلك، فلا نوفر جهدا من أجل تحقيق السلام، والأمن والاستقرار للشعوب في جميع دول العالم.
gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة