ما يجري عبر الفضاء الالكتروني، يستفزني، وما يجري على ارض الواقع كذلك، وحين تقرر أن تتعامل مع الموضوعين على سجيتك وفطرتك وقناعاتك، تصطدم بتناقضات، ولو اخترت أحلى المرّين وأهون الشرّين، لغبنت نفسك، فلا أولئك يقولون حقا، ولا هؤلاء يفعلون صوابا، والانحياز لأحدهما او ضده، قرار شخصي له كلفته النفسية والأخلاقية.. ومع ذلك تجد نفسك ملتزما بقناعتك مطمئنا بأنك تفعل الصواب.
لا يمكنك أن تتجاهل أو تتغاضى عما يجتهد عليه أولئك المتمترسون خلف شاشات الهواتف الذكية، كجثث؛ ملقاةٍ على كرسي او فرشة، تشخص أبصارهم لشاشة يحملونها في كفّ يد واحدة، وبأصابع الأخرى ينبشونها، والعيون شاخصة ببلاهة ميكانيكية، لا تنبىء بل لا تبشر بحياة او بعقل يعمل، فلا فكرة ولا أدنى شعور أو رفض لما يظهر على الشاشة، ولا تأييد إلا بإصبع عاث بمستقبل صاحبه جهلا فوق تخريبه لماضيه.
وآخرون؛ بلا إرادة فعلية، يعلمون بأن غيابهم وقلة اكتراثهم بما تقوله الشاشات، يصادر كل ما فعلوا او يفعلون، ومن أسفلهم حتى قمتهم، تغيب همّتهم فوق فقدان قرارهم وارادتهم وخلو ذمتهم، وحين يتحدث أحدهم تتمنى لو انك لم تسمع، وتدرك صواب فكرة غيابه وعدم رده، فهو لا يجيد الرد وبعد انشغال أصابعه في النبش أصبح يخطىء حتى في «العدّ»..!.
رغم كل ما كتبنا هنا، إلا أننا كأننا لم نكتب شيئا، ورغم كل ما صدقنا إلا أننا بالنتيجة «تبعهم» كنا نكذب، ونحن أيضا متهمون نستحق العقاب والإقصاء، كما قال الطارئون والمتسلقون والمتملقون والمتنمرون والأذكياء، بينما الجبهة رغم فراغها منهم، فهي لا تتسع لمقاتلين يدافعون عن الوطن والدولة، فالرد على ما تتلوه شياطين «الفضاء الالكتروني» يكمن حسب خططهم: بإفراغ الواقع ممن يمكنهم الرد !!.. ولا يجيبون على أسئلة: لمن، ولماذا، وكيف تتركون كل هذا الفراغ!.
الذات الإلهية؛ بعدلها، تركت مرحلة من حياة المنافقين والدجالين، تتجلى حين تردّهم سنّة الله في الخلق إلى أرذل العمر، عقاب إلهي مناسب لعجائز طالما تنططوا في شبابهم، يبثون فوضى الفكرة والسلوك، وهذا عمل أشد وأنكى من العجز، فهم من دشنوا بنية تحتية لما نراه من خذلان للوطن، وصمت عن تسفيهه وتتفيهه بعيون أبنائه وأفئدتهم وأياديهم.
هل حقا انقلبت عدالة الواقع وموازينه، وتاهت، بل اختفت، وأصبحنا نكتال العدالة والديمقراطية من «تويتر» وأخواتها؟!.. هذا عنوان إفلاس العقل والإرادة، والحكنة والقيمة والأخلاق، و»مانشيت» تحكيم الخذلان والبلاهة..
ظهر من بيننا من يشتمنا، ويهددنا بفقدان الأمن والأرواح، ويسعى لتقويض أركان البيوت على حطام أركان الدولة، ويتلو قصص «الجانّ على ملك سليمان» وسواليف «شهرزاد لشهريار»، وحكايات «نص نصيص والغولة وعلي بابا».. وثمة ارقام تقدمها لنا منظومة السوشال ميديا، تتحدث عن قبائل في مضارب الفضاء الإلكتروني، تصفق بأياد مبتورة، وتؤكد وتؤيد ما تقوله لنا العجائز في جوف الليل الذي سرقوا منا سكونه.
وكذلك المنطق والعدالة والقوانين.. تحولت بدورها إلى إحصائيات ورسومات وأضواء في العتمة وتلاوين على صفحات، رغم كل إشعاعاتها، نعرفها مجرد شاشات سوداء.
طوبى لمن ذاد عن بيته وزادِه، وسند أعمدته وأوتاده، وحطبه حتى رمادِه..