تسمع كثيرا، عن قصة المؤامرة على الفلسطينيين، خصوصا في الضفة الغربية، حين يقولون إن إسرائيل قامت بنشر وباء كورونا بينهم، من أجل التخلص منهم، ومن قصصهم.
لا تعرف بماذا ترد على هذا الكلام، خصوصا حين تقرأ تصريحا رسميا فلسطينيا يقول إن عدد الحالات خلال الساعات الأربع والعشرين الفائتة وصل الى 396 إصابة جديدة بفيروس كورونا ، ما يرفع حصيلة الإصابات في فلسطين الى حدود الستة آلاف حالة، فيما يصرح الاحتلال الإسرائيلي بالمقابل عن تسجيل 1464 إصابة جديدة في إسرائيل، خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، وهي أعلى نسبة منذ بدء الجائحة؛ حيث وصل عدد المصابين في إسرائيل الى أكثر من ستة عشر ألف حالة، حتى الآن، والعداد مفتوح عند الطرفين، الذين تم احتلال أرضهم، والذين احتلوا فلسطين بكل وقاحة، حتى يأتي الله بأمره.
نظرية المؤامرة قد تكون صحيحة في حالات كثيرة، لكن قد لا تكون صحيحة في هذه الحالة، بسبب الاختلاط بين أهل الضفة الغربية، وغيرهم، في فلسطين المحتلة عام 1948، خصوصا، على صعيد العمالة، فكيف ستقوم إسرائيل هنا، بنقل الوباء الى الفلسطينيين في الضفة وهي تعرف أن بعضهم يعمل في فلسطين المحتلة عام 48، وأن نقل العدوى أمر ممكن، وبالاتجاهين، أيضا، إذا أردنا أن نتحدث عن الوباء وأعراضه وتأثيراته.
في كل الأحوال لا ينقص الضفة الغربية وأهلها، إرهاق فوق الإرهاق، وإذا كنا أمام مؤامرة وفقا لما يعتقد البعض، فإن الأصل التنبه، لا الخروج والاختلاط من دون معايير، ما دمت تعرف أن عدوك يستهدفك، ويريد رأسك، فنحن أمام حالة من وجهين، فإن صحت نظرية المؤامرة، عليك أن لا تفتح الباب لانتشار المرض، وإذا كنا أمام وباء من دون مؤامرة، فعليك أيضا أن تهتم بصحتك، وأن لا تسمح بنقل العدوى الى عائلتك أو بيتك، فهذه حالة حرب في الحالين.
قصة المؤامرة في ملف كورونا، تسمعها في كل مكان؛ إذ إن هناك رأيا غالبا عند العرب، أن هذه مجرد مزحة ثقيلة الدم، أو مجرد وباء عادي مثل الانفلونزا، أو أنها مجرد حرب سرية بين الصينيين والأميركيين، وإذا افترضنا أنها بمثابة حرب كونية، ومجرد مؤامرة دولية، فعلينا أن نرد بكل صراحة، ونقول إن الكل يدفع الثمن، والعدوى تدمر اقتصادات العالم، والأميركيون والصينيون ذاتهم يخسرون من القصة، ومعهم عشرات الدول، فكيف تكون مؤامرة، وأنت ترى الكل خاسرا من سعر برميل النفط، وصولا الى طرد الملايين من أعمالهم، وغرق دول العالم في الديون، وتضرر القطاعات الزراعية والصناعية والطيران.
على من يقول إنها مجرد مؤامرة، أن يقول لنا من هو الرابح من القصة، غير قصص الحكومة العالمية الخفية، وقصص العتمة التي تتحدث عن محفل الشيطان، وفتن الماسونية، ووجود لقاح إجباري، سيؤدي الى إعادة برمجتنا من جديد، مثل أي جهاز الكتروني؟
الذين يصرون على أن كورونا مؤامرة على الفلسطينيين في الضفة الغربية، ينسون للأسف أن أهل الضفة الغربية في قمة الإرهاق، أساسا، والمؤامرة وقعت عليهم قبل كورونا، فالسلطة تنازلت عن ثلاثة أرباع فلسطين الاحتلال، وتلاحق أهل الضفة أمنيا، ولا تدفع لهم رواتبهم، والسجون مفتوحة، والاحتلال يخنقهم، وما من بيت في الضفة الغربية الا مدين للبنوك بسبب بركات أوسلو وتحويل الفلسطينيين من مناضلين ضد الاحتلال، الى موظفين في حكومة السلطة يركضون وراء قروض البنوك، وتسهيلاتها، ومدن الضفة مقطعة، والاحتلال يعربد كيفما شاء، ويريد إكمال مشروعه بتهويد الضفة الغربية، باعتبارها يهودا والسامرة، وإذا كان وباء كورونا، قد زاد الإرهاق، إرهاقا، فإن تفسير الأمر بوجود مؤامرة، نسخ للطريقة العربية المعتادة في تفسير الظواهر، والاستسلام لقوى خفية، لا يمكن وقفها عند حدودها.
ما هو أهم من كل هذه الترهات، أن يجد الفلسطينيون دعما فلسطينيا وعربيا، من أجل إنقاذ الناس، في القدس وغزة والضفة الغربية، على صعيد أرزاقهم، وتضررهم، وعلى صعيد وضعهم الصحي الذي يتجه نحو مؤشرات خطيرة جدا، وسواء كانت مؤامرة، أو لم تكن مؤامرة، فعلينا جميعا أن نساعدهم للخروج من هذا المأزق، بدلا من هكذا تفسيرات، لا تأتيهم بسرير طبي، ولا جهاز تنفس، ولا تقدم لهم قرشا حتى يستروا بيوتهم.