المباحثات التي أجراها رئيس الوزراء بشر الخصاونة، والوفد الوزاري المرافق في بغداد الخميس الماضي، شكلت نقطة تحول في العلاقات المتنامية بين البلدين الشقيقين، وسيكون لها ما بعدها على مختلف الصعد، خاصة في المجال الاقتصادي.
في عهد الحكومة العراقية الحالية ” حكومة الكاظمي” يشعر الجانب الأردني بأن في العراق اليوم فريقا سياسيا حاكما يرغب أكثر من أي وقت مضى بتعزيز العلاقات الثنائية ودفعها خطوات إلى الأمام. آلية التعاون الثاني بين البلدين، حظيت باهتمام استثنائي من الملك عبدالله الثاني في الفترة الماضية، وتطورت أكثر لتصبح آلية ثلاثية بعد انضمام الشقيقة مصر إلى محور التعاون المشترك.
الدول الثلاث تراهن على تشبيك مصالحها عبر حزمة من مشاريع التعاون الاقتصادي، لعل أبرزها أنبوب النفط من البصرة إلى العقبة وصولا إلى مصر، وتمكين قطاع نقل البضائع بين البلدان الثلاثة من تطوير قدراته لزيادة معدل التبادل التجاري. أجواء المباحثات في بغداد اتسمت بالتفاهم والحرص من الطرفين على السير بخطوات عملية في كل ما يتصل بمشاريع التعاون الثنائي، في مجالات الطاقة والكهرباء والنقل وبناء المدينة الاقتصادية على الحدود، وتسهيل إجراءات تبادل السلع بين البلدين، وتسريع إجراءات مد أنبوب النفط، وغيرها من أشكال التعاون.
وسيواصل الوزراء من الطرفين العمل لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في بغداد، وفي الوقت ذاته تجري التحضيرات لتنظيم اجتماعات ثلاثية بمشاركة مصر لبحث جدول أعمال زاخر بالمشاريع بين عمان وبغداد والقاهرة. حرص الخصاونة خلال تواجده ليوم واحد في بغداد على استثمار الوقت لتثبيت الخطوات العملية المطلوبة للسير قدما بالمشاريع الثنائية بما يضمن تحقيق أقصى فائدة ممكنة للبلدين. وما كان مكتملا من ملفات تم إنجازها على الفور خلال الاجتماعات، كتجديد اتفاقية توريد النفط للأردن، وما يتطلب مزيدا من المباحثات، جرى الاتفاق على جدول زمني لإنفاذها كاتفاقية مشروع مد أنبوب النفط للعقبة.
رئيس الوزراء العراقي بالمقابل، رجل عمليات يدرك مثل الخصاونة أن البلدين بحاجة ماسة للتعاون لتحقيق المصالح المشتركة، والأردن هو الدولة العربية النموذج التي يمكن تطوير العلاقات معها لأقصى مدى ممكن، دون إثارة أي حساسيات في الداخل العراقي، مثلما هو الحال بالنسبة لنظرة الأردنيين للعراق كشقيق وجار، يشكل عمقا استراتيجيا للدولة الأردنية، وشريكا اقتصاديا يمكن الوثوق فيه، كما كان الحال لسنوات طويلة.
والخصاونة هو الشريك المثالي للكاظمي في هذه المرحلة، ويمكن التعويل على هذه الشراكة لتحقيق قفزة استراتيجية في علاقات البلدين. رئيس الوزراء كان ومن موقعه كمستشار لجلالة الملك يدرك مدى اهتمام جلالته بالعلاقة مع العراق، وبحكم عمله كان مطلعا بشكل واف على ملفات العلاقة مع بغداد وما تتطلبه المصلحة المشتركة من خطوات وقرارات لتمضي قدما إلى الأمام بما فيه مصلحة الشعبين.
المهم في هذا الصدد، هو المحافظة على زخم زيارة بغداد، وضمان متابعة القضايا الثنائية المطروحة من المسؤولين في البلدين، والتأكد من تنفيذ الالتزامات المبتادلة.
الأردن والعراق يواجهان تحديات صعبة على المستوى الاقتصادي، ناهيك عن الجانب الأمني الذي يشكل للعراق معركة وجود في ظل المواجهة المفتوحة مع تنظيم داعش الإرهابي، والصراع الإقليمي المحتدم حوله. هذه التحديات المشتركة لجارين عربيين تستدعي أعلى أشكال التعاون والتنسيق، لأن قوة الأردن من قوة العراق والعكس صحيح.