الأحد 2024-12-15 21:38 م

ماذا تعرف عن التيارات الدينية في مجتمعنا .. ؟

03:54 م
لا توجد دراسات مسحية معمقة حول خرائط التيارات الإسلامية التي تنشط في ساحتنا المحلية، لكن ثمة ما يشير إلى بروز نحو خمسة تيارات تتوزع بين العمل الدعوي والفكري المجرد، والعمل السياسي المقترن بالدعوة، وبعضها يباشر نشاطاته بشكل معلن، فيما يفضل الآخرون «الكمون» أو محاولة كسب المريدين والأتباع في دوائر ضيقة جدا.


لكل واحد من هذه التيارات منطلقاته الفكرية، ومرجعياته المحددة، ومع أن ثمة هدوءا على السطح في علاقة كل تيار بالآخر، إلا إن نيرانا محتدمة من الخلاف والاختلاف سرعان ما تشتعل عند أول مناظرة فكرية، أو معاينة لفكر احد الطرفين مقارنة بفكر الآخر، حتى انك تتصور -أحيانا- بأن الأرضية الإسلامية التي خرجت منها هذه الاتجاهات ليست واحدة، وأن المشروع الإسلامي الذي يقف المسلمون كلهم للدفاع عنه.. تحول إلى مشروعات، لا من منطلق الاجتهاد الذي يخول المسلم فهم الإسلام وتفهمه حسب قدرته وحاجته وظروفه، ولكن من منطلق الافتئات والمناكفة التي تلغي المشتركات وتسيّد الخلافات وتصنع لكل طرف وظيفة للتربص بالآخر وإصدار أحكام التكفير ضده.. واحتكار الحقيقة له وحده.. ومحاولة استئصال من يخالفه واغتيال فكره وشخصيته بسب او بدون سبب.

يمكن ان أتحدث هنا عن حاجتنا إلى حماية مجالنا الديني من الاختراق، أو عن ضرورة تشخيص حالة التطرف في بلدنا ومعرفة خرائطها «وأباطرتها»، لكن ما يهمني الان هو الإشارة إلى ضرورة إشهار خرائط هذه التيارات الدينية، لكي تكون نشاطاتها مكشوفة وكذلك مصادر تمويلها وملاءتها المالية ومرجعياتها الفكرية، ذلك ان بعض هذه التيارات ما تزال في دائرة المسكوت عنه، لاسيما وأنها تنشط في مجالات فكرية ودعوية فقط، وتتجنب الخوض بالسياسة.

مصدر القلق هنا ليس في تعدد هذه التيارات وامتداد نشاطاتها وإنما -أولا- في منطلقاتها الفكرية التي تتراوح بين التشدد والغلو والتكفير وبين الإسراف في هجاء الآخر ومحاربته، وفي مقدمة هذا الآخر -بالطبع- الإسلامي الذي تختلف معه، ثم - ثانيا- في غموض المرجعيات الفقهية والجغرافية التي تستند إليها واستقطابها لقطاعات غير معروفة من الشباب الذين تشدهم ظاهرة التدين، وقدرتها على الوصول إليهم ولغيرهم عبر المنشورات والكتب والمحاضرات والرحلات وغيرها.

قد تبدو ظاهرة التعدد هذه ايجابية ما دمنا نتحدث عن ضرورة التنوع وحوارات المدارس وحرية الرأي والاجتهاد والتعبير، وعن أهمية تجديد وترشيد الدعوة الإسلامية، لكن الملفت، مع غياب الحوار بين هذه التيارات واحتدام الخلافات بينها، أن غياب العلنية في العمل والتوجه، ناهيك عن غياب المعلومات والضبط، يوفر مناخات تسمح لمن شاء باختراق هذه التيارات وتوجيهها والسيطرة عليها، الأمر الذي يساعد على استخدام الأفكار والفتاوى من جهة البعض في تسويغ منهج التطرف والغلو.. وهو منهج تصعب السيطرة عليه ما لم تعرف «العباءة» الفكرية التي خرج منها.. أو الجهة التي صدرته للمجتمع.

باختصار، مطلوب من الدولة أن تدرس الواقع الديني وان تحدد وتصنف التيارات الناشطة فيه، ومطلوب منها أن تفرز التيارات المعتدلة من الأخرى المتطرفة على مسطرة فكرية وفقهية، لا سياسية فقط، ومطلوب من المعنيين بالشأن الإسلامي أن يبدأوا بالداخل الإسلامي، من خلال تشجيع الحوار بين تياراته واتجاهاته، والوصول إلى مشتركات فكرية ومراجعات حقيقية لتصويب مساراته.. فمن المؤسف أن يكتشف احدنا بأن هذا الإسلام الذي يعتز بالانتساب اليه، عاجز عن توحيد ابنائه الذين يريدون اقناع الآخرين به، او انه ما زال مختطفا من قبل الذين يريدونه خالصا لهم من دون العالمين.
gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة