علينا ان نتحدث بصراحة شديدة، إذ أن كل المقالات الإسرائيلية، والتعبيرات السياسية الإسرائيلية ، تتحدى الأردن في ملف المسجد الأقصى، والذي يرصد كل شيء، يكتشف بكل بساطة أن الأمور تتجه إلى نقطة خطيرة، قد تصل حد السيطرة على المسجد الأقصى، ووقف الرعاية الأردنية، كليا أو جزئيا، وفقا لهذه المرحلة التي نواجهها هنا في الأردن والمنطقة.
وفي يوم واحد فقط تعلن الحكومة هنا عن أمرين أولهما تعيين مائة موظف جديد في الحرم القدسي الشريف، في تأكيد أردني على أهمية الحرم القدسي، والمسجد الأقصى، وثانيهما بيان حاد من وزارة الخارجية على لسان السفير الأردني سنان المجالي، ينتقد بشدة إقدام وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي إيتمار بن غفير على اقتحام المسجد الأقصى المبارك في الحرم القدسي الشريف صباح أمس الثلاثاء وتحت حراسة وحماية قوات الاحتلال الإسرائيلي، وهذا اقتحام يبرق لنا بعدة رسائل وسوف تتبعه اقتحامات من رسميين وغير رسميين في دولة الاحتلال.
إسرائيل تتجه إلى نقطة مختلفة في ملف الحرم القدسي، فهي تتحدث عن الهيكل وجبل الهيكل، وبالتالي فإن المسجد الأقصى غير قائم في الذهنية الإسرائيلية، ومن المؤكد هنا اننا أمام مرحلة خطيرة جدا سبق ان تم التحذير منها مرارا، لان تحشيد التيارات الدينية في الحكومة الإسرائيلية له استحقاقات اقلها، السيطرة على المسجد الأقصى، كليا، أو جزئيا، أو فرض التقاسم الجغرافي، أو وقف أوقاف القدس عن ممارسة مهماتها، وهذا أمر محتمل، لا يمكن التهوين منه، مهما تمت المراهنة على الاتصالات السياسية مع أطراف دولية ضامنة، تتفرج أساسا ولا تتدخل.
بما اننا قد ندخل مرحلة أخطر، فهذا يوجب رد فعل مختلف، لكن التعقيدات التي يواجهها الأردن تجعله في صورة محدود الخيارات بنظر مراقبين سياسيين، هذا على الرغم من أن الأردن على مشاكله وأزماته لديه أوراق كثيرة، من معاهدة السلام، إلى وقف أنماط التشبيك الاقتصادي، والاعتماد على إسرائيل في قضايا الماء والكهرباء، وما يتعلق بأي تنسيق لوجستي، ويستحيل هنا أن تهددك إسرائيل في خاصرتك الحساسة، ولا تفترض وجود أي كلفة ستدفعها.
هذا الملف في عنق الأردن يحمله وحيدا أمام عالم عربي واسلامي يتفرج على المشهد، والكلام هنا لا يأتي لتبرئة الاردن، أو اتهام الآخرين، بل لكون هذا هو الواقع الذي يواجهه الأردن، وحيدا، وتقف خياراته فيه أمام تعقيدات اسوأ من بعضها البعض، والمؤسف هنا أن اللوم ينصب فقط على الأردن، ولا تتم إعانة الأردن في ملفات كثيرة، لتخفيف اي احتمالات قد تستجد عليه إذا قرر في مرحلة معينة الذهاب إلى خيارات غير متوقعة بشأن كل ملف العلاقة مع إسرائيل.
الذي يخفف من مخاطر المشروع الإسرائيلي في الحرم القدسي، وجود الكتلة البشرية المحيطة بالأقصى والتي لها مواقف تاريخية في الازمات، فهذه كتلة تخشاها إسرائيل، واستثمار الأردن في هذه الكتلة وقياداتها أمر مهم، لانهم يخففون الخطر عن الأقصى، مثلما يساعدون الأردن ضمنيا، في مهمة حماية المسجد الأقصى، خصوصا، في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية التي تقرأ معادلات القوة لصالحها تماما، وتعتبر أن بامكانها تنفيذ مخططها داخل المسجد الأقصى دون أي خشية لرد فعل أردني أو عربي أو إسلامي أو دولي في هذا التوقيت الملتبس والصعب.
نحن لسنا بحاجة إلى وزير الأمن الإسرائيلي واقتحامه للمسجد الأقصى، لنفهم أن الوضع قد تغير، وأن قواعد اللعبة مع الاحتلال بدأت بالتغير، وهذا يفرض بالتأكيد استعدادا من الآن لكل الاحتمالات، حتى لا نصحو على سيناريوهات متعددة، ابسطها طرد أوقاف القدس، والسيطرة الإدارية على المسجد الأقصى، أو فرض التقاسم الجغرافي، في ظل سعة الحرم القدسي الذي تصل مساحته إلى 144 دونما، أو حتى هدم أحد المسجدين القبلي، أو قبة الصخرة، وغير ذلك.
المشروع الإسرائيلي دخل مرحلة الذروة في القدس، وهذا يفرض تحديد حزمة الحلول التي يتوجب أن تكون جاهزة منذ الآن، استعدادا لما قد يستجد بشكل أو بآخر.