الثلاثاء، 16-03-2021
03:53 م
إلى جانب الشأن الصحي وارتفاع منسوب الخوف وتلاشي الثقة بكل ما هو رسمي هناك سجال يجري بين غالبية من يتناولون الشأن العام. موضوع السجال الذي اشتعل مع تزايد اعداد الاصابات وتنامي اعداد الضحايا وتأخر توزيع المطاعيم والحديث عن دحرجة رؤوس من يفصح عن معلومة يتمحور حول اسباب تعيين فلان في هذا الموقع واستثناء علان الاقرب في الاختصاص والكفاءة. وما طبيعة الخطاب الذي يستند اليه صناع القرار وكيف يمكن ان يتطابق مع ما يتطلع له الناس ويشعرون به. ولماذا تضاءلت الخيارات التي يقدم عليها صناع القرار فأصبح الأردن الذي ساق للعالم عشرات آلاف الاطباء واصبح قبلة لطالبي الاستطباب، عاجزا عن ايجاد طبيب قادر على حمل حقيبة الصحة وطمأنة الناس على احوالهم واجراءاتهم وهل هناك نية لعسكرة المؤسسات المدنية والخدمية.
المراقبون والعوام منشغلون بمراقبة أداء من يصعدون للمسرح العام فيهنئونهم على الثقة ويتبارون في سرد مآثرهم وتبرير هفواتهم فالهفوات التي ترتكب يجري جبرها للبعض وتضخيمها لمن لا يحظى بالعناية المركزة. منذ فترة غير بعيدة اصبح نصيب النواب من انتقادات الناس اقل مما كان عليه لا لأنهم ابدعوا في طرح قضايا المجتمع وصياغة الاطر التشريعية التي تسهل النشاط في القنوات المشروعة ولا لأنهم يراقبون اداء السلطات بفعالية وحرص بل لأنهم خيبوا آمال الناخبين واصبح لهم صور نمطية يعرفها الناس فالأصوات التي تعنى بقول ما يشغل الشارع ومحاولة عمل شيء ما لا تتجاوز الـ10 % من الاعضاء.
في بلادنا اقتنع الناس بأن لا شيء يمكن ان يرجى من النواب فهم يقولون ما لا يفعلون فقد ترشح جزء منهم ليحسنوا اوضاعهم الفردية والاسرية غير آبهين بالشأن العام ولا يعرفون الكثير عنه وجاء بعضهم الآخر ليحمي مصالحه وشركاته واستثماراته في حين يرى عدد غير قليل منهم ان بإمكانهم البقاء في مواقعهم والترشح لمرات قادمة اذا ما اتقنوا عمليات المناورة وفنون الارضاء للحكومة واجهزتها أولا وللدوائر التي تراقب عملهم وتتولى هندسة النظرة المجتمعية لهم.
للناس كل الحق في التركيز على ما يتناولونه في احاديثهم فلا يوجد في البلاد اقتصاد مستقل عن الدولة والنجاح او الفشل في الاعمال يستند الى درجة القرب او البعد عن الجهات التي تمنح او تحرم التسهيلات والامتيازات او تتغاضى وتلاحق فكم من مؤسسة ازدهرت لفترة ثم ما لبثت ان تدحرجت بأهلها واصحابها كما تتدحرج الرؤوس في المؤتمرات الصحفية.
في العقود الاخيرة من عمر البلاد نشأت طبقة جديدة من الاثرياء. غالبية هؤلاء الاثرياء ابناء واحفاد لشخصيات عمل آباؤهم وانسباؤهم واقرباؤهم في مواقع قريبة من صناعة القرار فتغلغلوا في هذه المواقع وحملوا تعريفات جديدة للشأن العام فهو بالنسبة لهم البعد عن المساس باستثماراتهم وتجارتهم ولحق بهم طيف جديد ممن تولوا مواقع عامة وسهلوا لابنائهم افتتاح شركات يجري حمايتها وتيسير اعمالها من خلال سلطة الآباء ونفوذهم.
بلا معوقات يمكن لأحدهم ان يستصدر رخصة استيراد لكمية هائلة من المنتجات الزراعية بحجة تقوم في ظاهرها على توفير السلع لمحدودي الدخل بأسعار منخفضة وان يجري تسويق الفكرة والمبررات ليتم إغراق السوق بهذا المنتج وحرمان المزارع من جني عوائد شقائه كل ذلك لتزدهر شركة خاصة لابن مسؤول اشبعنا استعراضا وحديثا عن الوطنية والانتماء وخدمة الامة. هذه النماذج تترك مواقعها وتسير في الشوارع وتحضر حفلات التكريم ومن غير الوارد مساءلتها او محاكمتها او بيان جرائمها علنا ليتعظ الناس ويوقنوا اننا نعيش في دولة قانون ومؤسسات.
الطرق التي يجري فيها اصطفاء المسؤولين واختيارهم وترقيتهم وتنقلهم ورعايتهم تبعث على الدهشة فلا احد يعرف الاسباب التي تجعل الدولة متمسكة بفكرة الحفاظ على اشخاص تجاوزوا الثمانين عاما ولا الغرض من تدوير اشخاص في مواقع تقول التقارير الطبية انهم مصابون بعجز بالغ يتقاضون اموالا بسبب ان العجز لا يسمح لهم بالقيام بأعمال اخرى. كيف للناس ان يثقوا بمسؤول قال انه عاجز وها هو يعود للخدمة وكيف لهم ان يصدقوا الجهة التي اعادته بأنها جادة في الحديث عن تكافؤ الفرص واحترام سيادة القانون. في الاردن يستطيع كل اردني ان ينهض بدوره بأعلى درجات الكفاءة والاقتدار شريطة وقف التداخل والارباك.