أفترض من معظم الوزراء أن لا يغادروا مكاتبهم بعد المساءلة الملكية التي شهدتها جلسة مجلس الوزراء الإثنين الماضي.
رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز التقط الرسائل الملكية وصار على علم بأن فريقه الوزاري أصبح على المحك، ليس أمام الشعب فقط بل أمام جلالة الملك. وأعتقد أن الرزاز لن يتساهل هذه المرة وسيتخذ ما يلزم من خطوات لتنفيذ توجيهات الملك بحذافيرها، مهما تطلب الأمر من استحقاقات يعرفها الوزراء.
لم يطلب الملك من الوزراء ما يفوق طاقتهم وإمكانيات وزاراتهم، فقد ذكرهم بما التزموا فيه من مشاريع وخطط واستراتيجيات، ووضعهم أمام مسؤولياتهم في عديد القرارات التي اتخذوها مؤخرا وأتت بنتائج عكسية.
الأسئلة والملاحظات التي وجهها الملك للوزراء ليست نتاج تقارير متابعة حثيثة تتولاها مؤسسة الديوان الملكي فقط، بل خلاصة جولات ميدانية يقوم بها جلالته في المحافظات، ويستمع خلالها لهموم المواطنين ومطالبهم.
ما اعنيه هنا أن ملاحظات الملك ليست مكتبية ونظرية إنما من الواقع مباشرة دون وسطاء، نظرا للانخراط الملكي الكامل والمستمر مع المواطنين في الميدان وعلى جميع المستويات، ولهذا جاءت الأسئلة الملكية مطابقة تماما لأسئلة الجمهور الأردني التي نسمعها كل يوم عبر مختلف وسائل التواصل والحوار المباشر.
وفي الإطار العام توافقت توجيهات وملاحظات الملك مع أولويات الأردنيين التي تؤكدها كل وسائل القياس والرصد بوصفها أولويات اقتصادية وتنموية بالدرجة الأولى والأخيرة. بوصلة الحكومة على هذا الصعيد حادت وجهتها لبعض الوقت، ثم عادت من جديد للطريق الصحيح، لكنها اليوم مطالبة بتسريع الخطى، والانتقال من مرحلة التنظير للتنفيذ، وكسر القوالب الجامدة وتحدي المعيقات البيروقراطية واتخاذ القرارات اللازمة بشجاعة ودون تردد.
كما تقتضي الشجاعة مراجعة قرارات وسياسات سابقة وتصويبها كلما تطلبت المصلحة العامة، وذلك سيحسب للحكومة لا عليها.
الحلقة المفقودة في الشراكة بين القطاعين العام والخاص ينبغي العثور عليها بسرعة وتفكيكها، والتغلب عليها، وتجاوزها لتغدو هذه الشراكة واقعا ملموسا، باعتبارها المخرج الرئيسي من أزمة اقتصادية مستعصية لا يحلها سوى مزيد من النمو وفرص العمل. وبين يدي الحكومة قائمة طويلة من المشاريع الاستراتيجية التي يمكن الشروع بنتفيذها بالشراكة مع القطاع الخاص فورا، وسيكون لها انعكاس مباشر على نسب الفقر والبطالة، ناهيك عن المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تبدي الحكومة اهتماما كبيرا فيها ويمكن أن تشكل رافعة للاقتصاد الوطني وتغير من واقع الحال.
عملية الإصلاح الإداري لمؤسسات ودوائر حيوية تأخرت كثيرا وقد ذكر جلالته الحكومة بضرورة العمل عليها بسرعة لما لذلك من أثر مباشر على الخزينة والحد من التهرب الضريبي والجمركي. وبنفس القدر من الأهمية تسوية المشكلات العالقة مع القطاع الخاص دون تسويف، وحلها بقرارات حكومية شجاعة دون مماطلة أو اللجوء للقضاء والإجراءات الأخرى التي تضع المستثمرين في دائرة الاتهام والشبهة، ما يدفع كثيرين منهم للتراجع عن خططهم الاستثمارية في الأردن.
يواجه الأردن حالة من الانغلاق الإقليمي في الجوار، أسواق الدول الشقيقة ليست مفتوحة لنا بالشكل الذي كانت عليه في السابق، والمتغيرات السياسية والأمنية تلقي بظلال قاتمة على مستقبل التعاون الثنائي والإقليمي. ليس من خيار أمامنا للرد على هذه الحالة سوى بانفتاح على الداخل وتحرير الاقتصاد من قيود تكبل حركته. ذلك هو جوهر نظرية الاعتماد على الذات.