لا يمكن أن تتخذ الحكومة قرارات، وتنكر في الوقت ذاته كلفة هذه القرارات، فهي كلفة تتنزل على الناس، وعلى الحكومة ذاتها، وهذا يعني أن الكل متضرر.
معنى الكلام أن القرارات المتعلقة بالحظر، وان ظن كثيرون انها من جيوب الناس فقط، الا انها من جيوب الحكومة أيضا، فكل محل لا يعمل، لا يدفع ضريبة مبيعات للحكومة، وكل سيارة متوقفة، لا تشتري البنزين، وبالتالي لا تأخذ الحكومة حصتها المباركة في المبلغ، وكل مقهى او صالة افراح او مركز تعليمي مغلق، قد لا يتمكن من دفع الضرائب والرسوم والرخص، واذا كان الانسان هنا المتضرر الأول، فان الخزينة تتضرر أيضا، وسوف تستدين بعد قليل، من اجل سداد التزاماتها، ثم تعيد توزيع الديون على عامة الناس، وهذا يعني ان كل شخص فينا يعتقد ان تعثر غيره، لا يضره، هو مخطئ، فالضرر سيتوزع على الكل.
حين تسأل مسؤولين عن بديل حظر الساعة السادسة، يقولون ان البديل غير متوفر، لان الحظر الشامل مكلف جدا، على الخزينة والناس، معا، مثلما ان دول العالم لم تعد تطبق أصلا الحظر بالصيغة التي عشناها سابقا في الأردن، أي الحجر الكلي داخل البيوت، وحتى فرنسا التي عادت للحظر الشامل عادت اليه ضمن شروط، فسمحت بفتح الصيدليات ومحال البقالة والمخابز، وبعض القطاعات، وسمحت للإنسان بالتحرك لمسافة عشرة كيلومترات من مكان سكنه، والناس يلتزمون، وأنظمة التأمين الاجتماعي تعوض الناس، لكننا طبعا لسنا مثلا فرنسا، وشعارنا، اما اغلاق شامل يخنق الكل، او اغلاق جزئي يخنق بعضنا.
هذا وضع محير، لان الناس لو التزموا لما وصلنا الى ذروة الإصابات هذه الأيام، وقد لا تعرف الحكومة ان الحظر الجزئي، من السادسة مساء، تسبب بضرر الاف الناس في الأردن، اذ لدينا عشرات الالاف ممن يعملون في وظائف مسائية، من سائق التاكسي الذي يتسلم السيارة عند الرابعة عصرا، من سائق آخر، الى موظف المطعم الذي كان يعمل في الفترة المسائية، وغير ذلك من قطاعات تعمل أساسا في فترة المساء، وتعد مسائية، مثل المقاهي، وصالات الافراح، وغيرها من قطاعات تكون ذروة عملها بعد العصر، وصولا للمساء. كل هؤلاء تضرروا، ونحن الان لا نستطيع الشكوى من الحظر الجزئي، الذي نعيشه، لان الجو يلوح لنا بالحظر الشامل الذكي، او نصف الذكي، وجردة الحساب المالية للذين تضرروا تؤشر الى ارقام مالية مذهلة في كل القطاعات التي يمكن وصف بعضها بالمنكوبة، والتي سوف تغلق كليا، لتتخلص من ديونها والتزاماتها واعباء رواتب العاملين فيها.
ما زلنا وسط المشهد نتراشق بالاتهامات، الحكومة تقول ان الناس لا يلتزمون وينقلون العدوى، ، والناس يقولون ان كورونا كذبة، برغم كل الضحايا، ثم يسألون اين اللقاحات، واذا توفرت يشككون فيها، والمؤسف هنا اننا تحولنا الى حالة صراع بين معسكرين، وكأننا أعداء او اضداد، في كل هذا الملف، لكن الخلاصة تقول ان الكل يدفع الثمن هذه الأيام.
مشكلة بعض المواطنين لدينا، انهم يظنون انهم ما لم يتضرروا اقتصادياً وبشكل شخي، فانهم لا يأبهون بغيرهم، هذا على الرغم من انني اشرت هنا، الى ان تضرر تحصيلات الخزينة المالية، وتراجعها بسبب الاغلاقات، سيدفعها لاحقا للاستدانة، وهذه الديون سوف توزع على الكل، بما في ذلك الذي يظن الان ان مصلحته لم تتضرر، وغيره قد تضرر.
هذا يقودنا الى الاستخلاص الأساس، أي ان علينا دون وعظ او ارشاد، ان نغلق الباب في وجه هذا الوباء، عبر كل الطرق، حتى لا ننتحر جماعياً وبشكل بطيء ومتدرج، وحتى نخرج من هذا الجو، الذي جعل اغلبية الناس، تصاب بأعراض التوحد والقلق والعزلة والافلاس أيضا.
خسارة عشرات الالاف للوظائف المسائية، إضافة الى اضرار القطاعات التي تم اغلاقها كليا، منذ اكثر من عام، امر خطير، فنحن اليوم، لا نتحدث عن توفير فرص عمل جديدة، بل عن خسارة وظائف قائمة، حالنا حال دول غيرنا، لكن لديها القدرة لتعويض سكانها، وهذا يدفعنا لنطالب الحكومة مجددا وسط هذا الوضع الصعب جدا، ان تجدا حلا بغير الحظر، سواء كان هذا الحظر، ذكيا، او نصف ذكي، او غبيا، او بلا عقل في بعض المرات.