لقد قيل مرارا ان هناك سياسات اسرائيلية جديدة بدأت في القدس، بعد أحداث شهر رمضان، من العام الماضي، التي بدأت في القدس، وتوسعت إلى كل أنحاء فلسطين، بشكل يذكره الكل.
من الواضح ان رغبة الاسرائيليين بالانتقام من أهل القدس، كبيرة جدا، فهم لا ينسون ما حدث العام الماضي، ويريدون اليوم الانتقام، بشكل متدرج، من اجل اهانة الذات الوطنية، وتحطيمها بعد الذي جرى على يد الفلسطينيين ضد الاسرائيليين، سواء في القدس، او حتى عبر غزة، وما تعرض له الاحتلال، على مدى ايام متواصلة، في مشهد لم نر مثله طوال تاريخ الاحتلال.
خلال الايام الماضية، تواصلت الاعتداءات الاسرائيلية في القدس، وهناك بؤرة غضب تتشكل الآن، سوف تؤدي الى مواجهات اكبر اذا بقي الوضع هكذا، ويوم امس مثلا، جرى اقتحام المسجد الاقصى مجددا، وهذه الاقتحامات اصبح يشارك بها اكثر من ثلاثين ألف شخص، سنويا، وهو رقم ليس صغيرا ولا متواضعا، بل اننا منذ عام 2019 نشهد زيادة في الارقام بشكل كبير.
يضاف الى ما سبق ما يجري في حي الشيخ جراح، حيث يعتدي الاحتلال والمستوطنون على المقدسيين في الشيخ جراح، وقاموا ليلة الثلاثاء بتحطيم سيارات سكان الحي، ويحاولون بكل الطرق طرد الفلسطينيين من الحي، ومصادرة بيوتهم، اضافة الى قيام نواب اسرائيليين بفتح مكاتبهم في الحي، وقيادة كل عمليات الاعتداء على الفلسطينيين في حي الشيخ جراح، وهو واحد من أهم احياء القدس، وعين الاحتلال عليه، لاعتبارات كثيرة، لسنا في وارد اعادة شرحها.
من عام الى عام تشتد الازمة في القدس، اذ حتى الواقع الاقتصادي سيئ، فالضرائب تدمر المقدسيين، وغرامات البيوت لا يتمكن احد من دفعها، وهدم البيوت مستمر، والتهديد بسحب الاقامات في القدس، متواصل، وحروب المخدرات مستمرة، والسجن والقتل، لأي سبب عمل يومي للاحتلال، الذي يريد تطهير القدس، من كل وجود عربي وفلسطيني اسلامي ومسيحي، وشطب هوية المدينة وتاريخها، في سياق تحويلها الى عاصمة لإسرائيل طاهرة من كل ما تعتبره اسرائيل مكونات طارئة في المدينة، هذا على الرغم من انهم ابناء المكان وورثته الشرعيين.
هذه أزمة لا تثير ردود الفعل، بل بات واضحا ان كل ملف القدس، لا يحظى بأكثر من خبر صحفي، او بيان رسمي، هنا او هناك، وهذا امر اعتاد عليه الاحتلال، ولا يهمه ابدا، وليس ادل على ذلك من انه بعد ان استراح قليلا من مواجهات القدس التي حدثت رمضان الماضي، عاد بشكل اكثر قسوة وعنفا، لانه يريد الانتقام، ومواصلة مخططه، وتأديب الفلسطينيين.
لكن المؤكد هنا، ان المؤشرات تقول ان الوضع مؤهل للانفجار مجددا، وبطريقة اصعب من احداث رمضان العام الماضي، ولأن اسرائيل لا تريد العودة الى نسخة مكررة من رمضان العام الماضي، فهي تلاعب المقدسيين، فتشتد حملاتها تارة، ثم تهدأ تارة، وكلما لمست تسخينا في الاجواء، عادت ولجأت التى التبريد من باب تخفيف الحدة، لكن المشروع ذاته متواصل، وليس ادل على ذلك من خروج نفر من المستوطنين بمسيرة اعلام مصغرة في القدس، قبل يومين، ربما نسخ لمسيرة العام الماضي، التي فجرت الاجواء، وادت الى ردود فعل متواصلة داخل فلسطين.
الحل هنا ليس بمناشدة اسرائيل ضبط النفس، ولا التوقف، فهي لن تتوقف، وكل الحكومات الاسرائيلية تتشارك بذات الذهنية، بل ان الذين يدعون انهم اكثر نعومة بنتنياهو، كما هو حال الحكومة الاسرائيلية الحالية، يمنحون سقوفا اعلى للمستوطنين، ولعلنا نعيد السؤال حول جدوى كل التوقعات داخل فلسطين، مع تنكر بعضنا لأهمية ازالة الاحتلال ذاته، كحل وحيد، بدلا من التوسط، والرجاء، واجراء الاتصالات، لعل اسرائيل تغير سلوكها، حتى لا تحرج البعض.
عام 2022 عام صعب على القدس، لأن المخطط الاسرائيلي وصل ذروته، وهم يعتبرون ان الأوان قد آن لتطهير كل القدس، وتنقيتها من كل وجود غير اسرائيلي، وعلينا هنا ان نفتح عيوننا جيدا، لاننا امام فترات خطيرة وصعبة مقبلة على المدينة ومقدساتها واهلها وهويتها التاريخية المعروفة.