مخابرات ألمانيا الشرقية «الشتازي» (1949-1990)، جنّدت جاسوسا من المانيا الغربية، كانت مهمته فقط أن يوصي بتعيين الأقل كفاءة، لشغل أي وظيفة تشغر أو تستحدث.
ومن أجل أن يظل الجاسوس آمنا، طلبت «الشتازي» منه أن لا يكتب أي تقرير في أي موضوع، حتى لو أنه اكتشف على وجه اليقين مؤامرة لاغتيال اولبريشت زعيم ألمانيا الشرقية ! في العالم العربي، كان وضع الرجل غير المناسب، المحدود الضيق الأفق، في المكان المهم والمتقدم، من أبرز أسباب الهزائم والانتكاسات الإستراتيجية العربية. لقد أصبح الولاء والطاعة، هي الأهم. وأصبحت الصلة المذهبية والحزبية هي المقررة لاختيار شاغلي المناصب الأولى. لقد تزعم الأمة وقادها وخاض بها وقرر لها، أشخاصٌ جاءت بهم الانقلابات والدبابات وأجهزة الاستعمار السرية.
تم تقفيز وترفيع الضابط عبد الحكيم عامر، ثلاث رتب عسكرية دفعة واحدة، ليتسلم قيادة الجيش المصري، متخطيا كل العبقريات العسكرية المصرية. وتولى اعلى المواقع وكل المسؤوليات الأولى، جميعُ «الضباط الأحرار» الذين قاموا بثورة 23 يوليو 1952. تم تجريف الجيش المصري من قياداته المحترفة وتم تجريف الإعلام وتنطيط الطبالين والرقاصين على دكته. وتمت ابادة التعددية الحزبية والحياة السياسية لصالح صيغة «تحالف العمال والفلاحين» الصورية.
وهكذا كانت الحال في العراق واليمن وليبيا والسودان والجزائر وموريتانيا، وخاصة سورية التي فتكت فيها الانقلابات، فكان طبيعيا ان يجرف كل انقلاب، الضباطَ والقادةً السياسيين ورؤساء الجامعات والقضاة والإعلاميين والكتاب، وأن ينصّب الموالين مكانهم. كانت النتيجة هزيمة حزيران سنة 1967، في نصف ساعة وليس في 6 أيام. وكانت النتيجة أن المشير عبدالحكيم عامر نحر مصر. ونحر الأمة العربية. ونحر الجيش المصري العظيم. ونحروه، فقيل انتحر !! عندنا تم تنفيذ برنامج الحسين- وصفي لاسترداد المعارضة واحتوائها. فأحرقت ملفات المعارضين وقيودَهم وصدر عفو عام سنة 1965 وفتح المجال لعودة المعارضين السياسيين من الخارج وتم ادماجهم في الحياة السياسية.
عُيّن ابراهيم محمد باشا الحباشنة وزيرا للداخلية، ونذير رشيد مديرا للمخابرات ثم وزيرا للداخلية، وصادق الشرع وزيرا للتموين ثم للخارجية، وعلي أبو نوار سفيرا في باريس ومعن أبو نوار وزيرا للشباب والإعلام والثقافة. وجرى خلال الحقبة الماضية لدى مختلف دولنا في هذا العالم العربي المرزوء، التقاطُ نكرات، وتصنيعهم وتصنيمهم وجعلهم قادةً يرسمون ويحكمون ويخططون، والخطة الوحيدة التي نفّذوها هي خطة الفساد المحكمة.