بعد كل عدوان إسرائيلي على غزة يخرج نتنياهو ليعلن النصر، وبأن إسرائيل تمكنت من إضعاف قدرات المقاومة الفلسطينية، إلى الحد الذي لا يمكنها من الوقوف على قدميها بسهولة.
تمر سنوات قليلة لتبدأ جولة جديدة ونكتشف معها أن قدرات حركات المقاومة أقوى من ذي قبل. وفي العدوان شهد العالم على تطور نوعي في القدرات الصاروخية لكتائب المقاومة الفلسطينية وحماس على وجه التحديد، لدرجة أصبحت فيها كل التجمعات السكانية في فلسطين المحتلة تحت مرمى الصواريخ الفلسطينية.
ليس هذا تغييرا في ميزان القوى العسكري، لكنه تبدل يلقي بتداعياته على حلبة السياسة في المنطقة، خلاصته الجوهرية والمهمة أن الشعب الفلسطيني ما يزال مستعدا لمقاومة الاحتلال بكل الأشكال المتاحة ولن يستسلم لسردية نهاية القضية قبل أن ينال حقوقه المشروعة. كان من أهم تفاعلات الحالة الغزاوية، ما أبداه الفلسطينيون في الضفة الغربية من استعداد لتطوير أشكال المقاومة النوعية والمسلحة، وانتفاضة الفلسطينيين في الداخل، والروح النضالية التي تولدت في عموم الشارع العربي، نصرة للحق الفلسطيني. معادلة الاحتلال والأمن سقطت في فلسطين، ومعادلة الاحتلال والتطبيع العربي سقطت في الشرق الأوسط، ومعادلة الاحتلال ومواطنة من الدرجة الثانية في إسرائيل تبدى ضعفها وعجزها. الانقسام الفلسطيني قائم، لكن وحدة الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع أنجزت معمدة بالدم والشهادة. المقاربة الأردنية للصراع العربي الإسرائيلي، اجتازت الاختبار بنجاح؛ لا سلام ولا أمن قبل أن ينعم الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال الوطني. دائما ما تردد القول أردنيا، القدس مفتاح السلام والحرب في فلسطين، وها هي الأحداث تؤكد صحة هذا المنطق. محاولات تغيير الوضع القائم أو المس بحقوق المقدسيين تفجر أشد مواجهة مسلحة.
مصر تفرض حضورها وثقلها، وهذا مكسب كبير للعرب، ويصب في مصلحة جميع الأطراف. وهنا تغدو الحاجة ملحة لتفعيل آليات التعاون الثلاثي الأردني المصري العراقي، وتوسيع نطاقه ليشمل دولا عربية أخرى. تحالف أقطار بلاد الشام ومصر حاسم لمستقبل المنطقة. سورية ينبغي أن تكون في قلب المعادلة.
المنطقة تتغير ويتعين على الدول صاحبة المصلحة أن تجاري هذا التغيير. حماس ليست مجرد فصيل فلسطيني فقط، بل لاعب مهم في المعادلة العربية والإقليمية لا يمكن تجاهلها. التوصل لتهدئة في غزة، ووقف العدوان الإسرائيلي، خطوة مهمة تساعد واشنطن على تجاوز الإحراج المتوارث من الموقف تجاه إسرائيل. الدبلوماسية الأميركية تخطط لتحرك وشيك في المنطقة يبدأ بجولة لوزير خارجيتها هذا الأسبوع، الهدف منها تثبيت تهدئة طويلة المدى والانتقال لمناقشة قضايا الحل السياسي. لا بد من استثمار المقاربة الجديدة في واشنطن والخطاب المختلف لإدارة الرئيس بايدن لتعزيز الموقف الفلسطيني ومحاصرة سلوك إسرائيل العدواني الذي استمرأ الاحتلال والتهويد والضم في سنوات ترامب الكارثية، ولم يحسب حسابا للجانب العربي.