لم تكن السياسة الإقليمة العربية يوما بخير. ولعل افضل مرحلة في ذاكرتنا عاشتها السياسة العربية كانت بعد حرب اكتوبر 73 المجيدة فقد بلغ التضامن العربي أوجه واستخدم المرحوم الملك فيصل بن عبد العزيز سلاح البترول لأول مرة لدعم الموقف العربي في الصراع وفوق ذلك شهدت اسعار النفط طفرة حققت عوائد هائلة استفاد منها كل العرب. وحضرت السياسة بافضل صورها وحقق العرب مكاسب دولية جمّة في مختلف المحافل وتسابقت الدول على الاعتراف بمنظمة التحرير والحقوق الفلسطينية حتى أن الأمم المتحدة صوتت بأغلبية كاسحة على اعتبار الصهيونية شكلا من اشكال العنصرية.
يمكن التأريخ لأفول تلك المرحلة بتفرد السادات بزيارة اسرائيل. أما زلة السقوط للهاوية فيمكن التأريخ لها باحتلال صدام للكويت لكن الكارثة ستبلغ ذروتها باحتلال امريكا للعراق وتقديم هذا البلد العربي العظيم لقمة سائغة لايران التي فعلت به ومعها يد اسرائيل الخفية شرّا لا نظير له. وهلّت علينا خطابات الطائفية والكراهية والاحقاد والارهاب ودخلنا أسوأ مرحلة في تاريخ ما بعد الاستقلال العربي بانهيار دول وانفجار حروب اهلية ونشوء ميليشيات مسلحة ضخمة تتبع جهارا قوى اقليمية وهو ما يجعل التسوية الداخلية اصعب الف مرة في بلدان مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن ولبنان.
ودفع الاردن ثمن سياسته المعتدلة المتوازنة بإغضاب جميع الأطراف التي - صراحة أو ضمنا - لم تقبل منه هذا الموقف. ولعل الاردن كان سيدفع ثمنا اعلى في عهد ترامب ومواقفه الهوجاء لولا الوشائج القوية والاتصالات المثابرة مع كل أوساط القرار من الكونغرس الى خزانات الفكر ذات النفوذ. والآن يبدو كأن الرياح تهب باتجاه الموقف الأردني. وكأن ملامح مراجعة واعادة تقييم تدفع بالسلوك العربي الى منطقة الاتزان والتوازن مدفوعة بعدة عوامل أولها وصول السياسات السابقة الى حالة الانهاك دون افق لها وآخرها سقوط ترامب ومجيء الديمقراطيين للحكم.
وقد لعب الأردن مؤخرا دورا مبادرا في انشاء المحور المصري الاردني العراقي في سياق اعادة العراق لعمقه العربي ومواجهة النفوذ الايراني وقامت السعودية بفتح معبر عرعر على نفس الخلفية واستضافت عمان لقاء رباعيا ( أون لاين) اردنيا مصريا سعوديا اماراتيا لبحث المسألة السورية والسياسة القادمة لاستعادة سوريا للحضن العربي وتقليص النفوذ الايراني فيها. وهناك مشروع مصالحة مع قطر يطبخ على نار هادئة وقد يكون ذا اثر لانجاح التوجه لانهاء الحرب في اليمن والتوصل الى حل سياسي. ولم يكن صدفة دعوة الاردن من قبل السعودية وهي رئيسة قمة العشرين الأخيرة للمشاركة في القمة ودعوة جلالة الملك لإلقاء كلمة فيها. والتقى السفير السعودي في الاردن خصيصا عددا من الاعلاميين للفت الانتباه لهذه المبادرة ومعانيها. وعبّر أيضا عن رضى السعودية عن اللقاء العراقي المصري الاردني معتبرا انها مبادرة ممتازة بالاتجاه الصحيح واشاد بدور جلالة الملك الريادي فيها. وقبل ذلك تحدث بتصريحات صحفية عن مشاريع سعودية جديدة عندنا تصل الى ثلاثة مليارات دولار وثمة غيرها على الطريق.
نفترض ان نجاح السياسة الجديدة بدرجة معينة وتحقيق خطوات لتقليص التمدد والعدوانية الايرانية وخفض التصعيد سيقلل المخاوف الخليجية.