جملة غريبة وردت في استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية مؤخرا، تقول “لم تعتبر الفئة المستطلعة الصحف الورقية مصدرا للأخبار”، استنادا إلى سؤال حول مصدر الحصول على الأخبار المحلية.
أقول إنها جملة غريبة، فهي تكشف ركاكة آلية طرح السؤال على عينة الاستطلاع، وعدم فهم التطور الحاصل في المؤسسات الإعلامية التي تصدر صحفا ورقية!
في البداية، لا بد من تحديد أي مفهوم قبل أن نلجأ إلى صياغة أسئلة حوله، وهو ما فات مركز الدراسات الاستراتيجية، فقد بدا واضحا أن السؤال المطروح على الفئة المستهدفة يتمثل في اعتبار الصحف اليومية هي صحفا ورقية فقط، وليست مؤسسات إعلامية متنوعة يشكل المصدر الورقي واحدا من أدواتها المتعددة، وليس الأداة الوحيدة!
نعلم حرص مركز الدراسات اﻻﺳﺘﺮاتيجية ومديره الصديق الدكتور زيد عيادات، على توخي الدقة، ولا أعتقد أنه يجهل ماهية المؤسسات الإعلامية التي تصدر عنها صحف ورقية، لكنني لا أعلم فعلا كيف وقع بهذا الخطأ المفهومي.
ربما يحتاج الأمر إلى دعوته لزيارة هذه المؤسسات للوقوف على منتجها المهني المتنوع، وحضورها الذي تجاوز عدد الصفحات الورقية، وعدد المشتركين ممن يتلقونها عبر صناديق توضع أمام المنازل.
لكن هل هذا الفهم المغلوط يقتصر على مركز الدراسات الاستراتيجية؟ في الواقع لا، فغالبية المسؤولين في الدولة، لا يفهمون جيدا أن المؤسسات الإعلامية التي تصدر صحفا ورقية تتمتع اليوم بحضور كبير في الفضاء الإلكتروني، بل إنها أيضا تنشر محتواها الورقي ذاته بصيغة PDF، ليصل مئات الآلاف من القراء عبر هواتفهم وأجهزتهم المحمولة.
والأمر لا يتوقف على هذه الجوانب، فهناك صفحات لهذه المؤسسات على “فيسبوك”، “تويتر”، “انستغرام”، “يوتيوب”، يتابعها الملايين، إضافة إلى تطبيق “نبض” الذي يروج لكثير من الأخبار العاجلة. هذه هي مواقع التواصل الاجتماعي التي استحوذت، بحسب الاستطلاع ذاته، على نسبة 53 % من مصادر الأخبار المحلية بالنسبة للمواطنين. فهل تشمل هذه النسبة من يتابعون المؤسسات الإعلامية عبر صفحاتها على السوشال ميديا؟ أظن أنه سؤال مهم، إلا إذا كان هذا الأمر لم يخطر ببال منظمي الاستطلاع!
نعلم أن الصحافة الورقية مطالبة بمضاعفة جهودها باتجاه تطوير أدواتها أكثر، ومراعاة أن الفئة العظمى من الأردنيين هم من الشباب الذين لا يتابعون الأخبار إلا من خلال شاشات هواتفهم النقالة، والأدوات التي أتحدث عنها تتمثل في زيادة محتوى الفيديو والصورة.
لكن في المقابل على المسؤول الأردني إعادة النظر في فهمه القاصر والمغلوط بشأن هوية هذه المؤسسات ودورها وانتشارها وتأثيرها.
الاستطلاع الذي لا أرى فيه أي منطق، جاء مجافيا للحقيقة، ويترك انطباعا مغلوطا لدى الرأي العام الأردني تجاه هذه المؤسسات الوطنية، ويقزم دورها، في وقت تسعى فيه جاهدة لأن تكون مصدرا حقيقيا للأخبار، كمصلحة عليا للدولة، باعتبار أن هذه المؤسسات تتمتع بدرجة عالية من المهنية التي تقوم على بث الأخبار الدقيقة، دون النظر لاعتبارات السرعة والتسابق في النشر ومضاعفة عدد الزوار لمواقعها الإلكترونية!
في جلسات عديدة لبحث وتقييم وضع الإعلام الأردني، وعلى جميع المستويات، كان الحديث يدور حول أن من يقرأ الصحف الورقية اليوم هم فئة محدودة، ومن فئة عمرية معينة، وأنه بالرجوع إلى عدد مستخدمي الإنترنت في الأردن (10 ملايين مستخدم)، وبالنظر إلى أن 65 % من الأردنيين هم من فئة الشباب، فإن المرحلة تتطلب أدوات جديدة للوصول إليهم والتأثير بهم، مع ضمان تدفق المعلومة بشفافية ودون تأخير، حتى لا تزداد نسبة متابعي الأخبار المحلية عبر وسائل الإعلام الخارجية، أو المواقع الأردنية التي تنقل أخبار المملكة عن مؤسسات إعلامية عربية وعالمية، وأيضا حتى لا تزداد مساحة الأخبار المغلوطة والمضللة!
ربما لدي، ولدى زملائي في المؤسسات الإعلامية التي تصدر طبعات ورقية، الكثير مما نقوله حول استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية الأخير، لكنني سأتوقف عند هذه الحدود، وكل ما نرجوه من الدكتور عيادات هو إعادة ضبط المفاهيم، وتحديدها تماما تجاه المؤسسات الإعلامية وأدواتها من ورقية ورقمية، قبل أن يعمد إلى إعداد أسئلته في استطلاعاته المقبلة التي يرى أنها بحاجة لأن تتضمن أسئلة عن الصحف الورقية.