الإثنين، 19-06-2023
04:43 م
في مقالي السابق «مدخل إلى الغايات»، تحدثت عن تطوير ومأسسة القطاع العام وحوكمة المالية العامة، باعتباره الغاية الأولى التي يفترض أن يعمل عليها الحزب البرامجي، ذلك أنه لا يمكن تحقيق الأهداف المرسومة لبقية القطاعات ما لم تكن مؤسسات الدولة قادرة على القيام بمسؤولياتها على أفضل وجه، وما لم تتم إعادة هيكلة الإستراتيجية المالية وسياساتها، وإعادة هندسة إجراءاتها، بما يضمن ترشيد الإنفاق وتنمية الايرادات.
ومرة أخرى، فإن ترتيب الغايات بالتسلسل الرقمي لا يعني غاية تتقدم على بقية الغايات، وإنما تسير بالتوازي معها في إطار البرنامج المتكامل طبقا للإستراتيجية الموضوعة، ومراحل تنفيذها، فمن الناحية الموضوعية لا يمكن انتظار إتمام عملية تطوير مؤسسات الدولة حتى نذهب إلى الغايات الأخرى.
كيف للحزب -أي حزب- أن يرسم إستراتيجيته من دون أن يضع في مقدمة أولوياته البعد الاقتصادي الذي يشكل العنوان الأهم في برنامجه الذي سيقدم نفسه من خلاله إلى جمهور الناس كي ينضموا إليه، وإلى الناخبين كي يصوتوا لأعضائه في الانتخابات العامة، وهنا فإن العمل ضمن عناصر التفكير والتخطيط والإدارة الإستراتيجية سيفرض على قيادة الحزب وأعضائه المنهجية العلمية والخبرة العملية؛ حيث لا مجال للشعارات ولا الانطباعات والمزايدات، وإنما للتخطيط السليم المبني على الحقائق والإمكانات على أرض الواقع!
غالبا ما تتصدر عناوين الفقر والبطالة كما لو أنها هي التي تلخص واقعنا الاقتصادي، وهي على أهميتها مجرد مؤشر من مؤشرات كثيرة على وضع سائد ينبغي معالجته من خلال إقامة نوع من التكامل والتنسيق ما بين القطاعات المكونة للاقتصاد الوطني والمتمثلة أساسا في الزراعة، والصناعة، والتجارة، والطاقة والثروة المعدنية، والسياحة، ولا بد من اقتراح العناصر التي تتحقق من خلالها الأهداف الرامية إلى تفعيل وتطوير وتنمية تلك القطاعات.
ففي مجال الزراعة، لا بد من التركيز على تشجيع أنماط الزراعة بشقيها النباتي والحيواني والتي تناسب طبيعة الأردن الجغرافية والمناخية وزيادة إنتاجها باستخدام أدوات التكنولوجيا الحديثة، وربطها بالصناعات المحلية والتصدير إلى جانب الاستهلاك المحلي، وفي السياق نفسه، يجب تحفيز الصناعة على اعتماد المنتجات الزراعية والمواد الخام الوطنية كمنتجات صناعية إلى تحفيز الصناعة القابلة للتصدير ذات الميزة التنافسية والنسبية والقيمة المضافة العالية، بما يفضي إلى قطاع التجارة الذي يتوجب عليه تبني استراتيجية لتصدير المنتجات الوطنية وتسويقها عالميا، فضلا عن أولوياته الأخرى لزيادة معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر، وعقد شراكات وتحالفات لإقامة المشاريع التجارية المشتركة، وتطوير قدراته لتحقيق الازدهار التجاري.
ندرك حتما أهمية القطاع السياحي في الاقتصاد الوطني، ونعرف أنه يحظى باهتمام بالغ، خاصة وأن بعض المؤشرات الإيجابية بدأت تظهر في المشهد السياحي بسبب تراجع الكثير من الأزمات الإقليمية التي أثرت سلبا على السياحة في المنطقة كلها، ولكن الحزب حين يعمل من منطلق برامجي، بإمكانه أن يتقدم برؤيته بشأن عوامل تطوير هذا القطاع، والمساهمة في اقتراح الحلول من خلال البحث العلمي، وخبرة الأعضاء المتخصصين في هذا المجال، وفي نهاية المطاف سنجد أن قطاع الطاقة والثروة المعدنية يشكل الشريان الذي يغذي حيوية تلك القطاعات وغيرها، ومن واجب القائمين عليه الاقتراب من تلك القطاعات ليس كمزود للطاقة بكل كشريك فاعل في عملية التكامل بين القطاعات المكونة للاقتصاد الوطني.