هل صحيح أننا سنكون أمام “مملكة” جديدة (متجددة: أدق) بدأت تتشكل ملامحها منذ مطلع العام الحالي 2022، أم أن ما يحدث مجرد مشروع سياسي وإصلاحات شكلية لتحسين الصورة؟ هذا السؤال أصبح مشروعا، وبتقديري أننا بانتظار حالة أردنية أو مملكة جديدة، ولدي، على الأقل، ثلاثة مسوغات لذلك.
الأول كشفت عنه ورشة التحديثات التي بدأت بالمنظومة السياسية، ثم الإدارية والاقتصادية، وقد جاءت مباشرة بطلب من الملك، وبضماناته أيضا، المسوّغ الثاني أفرزته التحولات في العلاقات والتحالفات التي تربط الأردن بمحيطه العربي والإقليمي والدولي، وما يترتب عليها من أدوار، أو محاولات للتكيف مع المستجدات المقبلة.
أما المسوغ الثالث فهو مزيج بين ما انتهى اليه المجتمع من حالة وجوم وحيرة وانتظار لغيب مقبل لا يعرفه، وبين ما انتهت اليه الإدارة العامة للدولة من ارتباك وعجز عن الإجابة على أسئلة المجتمع وهواجسه.
تحتاج المسوغات الثلاثة لمزيد من الشرح، لا أستطيع أن اخوض في تفاصيلها، لكن يمكن الإشارة لعناوينها، التعديلات التي جرت على الدستور، ولاحقا التشريعات الانتخابية والحزبية، عكست صورة جديدة للدولة، وأعادت توزيع الوظائف بين السلطات، وهي تسعي لاحقا لإنتاج قوى ونخب سياسية بمواصفات معينة، ثم هندسة المجتمع بما يتناسب مع أي استحقاقات مقبلة، داخلية أو خارجية.
في الخلفية، نلاحظ أن ما حدث العام الماضي من أزمات كبرى، شكل تهديدا للنظام السياسي والمجتمع، وطرح استفهامات، حضرت بعض اجاباتها فيما شهدنا من استدارة نحو التحديث أو الاصلاح.
على صعيد التحولات التي جرت على صعيد علاقات الأردن بمحيطه، أشير لدائرتين مهمتين، الأولى القضية الفلسطينية من جهة، وإسرائيل من جهة أخري، المقاربة الأردنية، الآن، تقوم على فتح خطوط معلنة ومكثفة مع تل ابيب، تضمن إبقاء الواقع الفلسطيني تحت السيطرة، تحوطا من فرض واقع جديد يضر بالأردن وفلسطين معا، هذه المقاربة غير مضمونة، مما يستدعي التفكير أردنيا بمقاربات أخرى للتعامل مع ترتيبات أو مفاجآت مقبلة، وهذه المقاربات تحتاج لروافع سياسية جديدة .
أما الدائرة الثانية فتتعلق بموقع الأردن الجيوسياسي، ودوره بالمنطقة، ليس فقط باتجاه القضية الفلسطينية وإسرائيل، وإنما الإقليم كله، بما يحفل به من اضطرابات وصراعات وحالة سيولة عامة، تمثل ايران أحد أهم الفاعلين فيها، ثم سورية والعراق والخليج، لا أتحدث هنا، فقط، عن إمكانية بروز محاور أو تحالفات، وإنما عن نشوب حروب جديدة، أتوقع أن بلدنا لن يكون بعيدا عنها، إن لم يكن له دور فيها.
يبقى المسوغ الثالث، وهو الوضع القائم وما ترتب عليه من تكلفة، سواء فيما يتعلق بحالة المجتمع، أو حالة الإدارة العامة للدولة، وما تراكم من أزمات وانسدادات سياسية واقتصادية، في تقديري أن ما نحن فيه ليس صدفة، وإنما مقصود وفعل فاعل، وسواء أكان بعلمنا او لا، فإن النتيجة واحدة، ثمة وضع قادم يجري الترتيب له، لا أعرف كيف سيكون، لكن الموكد أنه سيصب باتجاهين:
الأول داخلي يستند للمسوغ الأول، وذلك لإعادة ترتيب الداخل الأردني، والثاني يستند للمسوغ الثاني من أجل التعامل مع الاستحقاقات والضغوطات الإقليمية والدولية، وحسابات التكيف، أو الاستجابة، أو الرفض لها.
استتباعا لذلك، ثمة ثلاثة توقعات أو احتمالات حول صورة “المملكة” المقبلة، الأول مشرق وإيجابي، تعكسه ضرورات تجديد الدولة بمئويتها الثانية ، والخطاب العام الذي صدر من النظام السياسي، وعدم القدرة على دفع كلفة الوضع القائم، داخليا وخارجيا، الاحتمال الثاني متحفط ومتردد، وقد يكون مصرا على إبقاء الوضع على ما هو عليه ، تقف وراءه قوى ما تزال تعتقد أنها ستخسر من أي تغيير.
أما الاحتمال الثالث فهو الأخطر، لأنه يمكن أن يعيدنا للوراء، ليس فقط من جهة المجتمع الذي يغرق بالسواد العام، وإنما من جهة الإدارة العامة للدولة التي قد تتراجع خطوات للخلف، فتجهض المشروع، أو توظفه ضد المأمول شعبيا.
ما أتمناه، أن نسقط الاحتمال الأخير من أذهاننا تماما، وأن ندفع باتجاه الاحتمال الأول، لنرى صورة “المملكة” التي يبدو أن ملامحها بدأت تتشكل، نموذجا لربيع عربي مختلف في المنطقة، قولوا آمين.