تم إقرار قانون حقوق الطفل في ثلاث عشرة دولة عربية، أقدمها قانون حقوق الطفل التونسي عام 1995 وأحدثها قانون حقوق الطفل السوري 2021، وهي كلها دول مسلمة وأغلبها دين الدولة فيها الإسلام وبعضها تعلن أن القرآن الكريم دستورها، والدول التي أقرت قانونا لحقوق الطفل هي الإمارات والكويت وفلسطين والسعودية والسودان ومصر وتونس وسلطنة عمان والبحرين وسورية واليمن وموريتانيا وليبيا.
نصوص تلك القوانين في أغلبها أكثر تطورا من مشروع قانون حقوق الطفل الأردني والذي يناقشه البرلمان حاليا، ونصوصه الخلافية موجودة في تلك القوانين لا بل فإن الحماية التي كرستها تلك القوانين العربية صراح بواح وأغلبها كان سندا لاتفاقية حقوق الطفل الدولية، وأكثر من ذلك فقد أصدرت جامعة الدول العربية نصا نموذجيا لقانون حقوق الطفل لمساعدة الدول العربية على الاقتباس منه في تشريعاتها المحلية وهو قانون منشور على الإنترنت!
أسوق هذا لأدلِّلَ عمليا ومنطقيا على التالي:
أولا: أن قانون حقوق الطفل هو إعلان التزام الدولة بواجباتها لمصلحة هذه الفئة من المجتمع، فئة الأطفال واليافعين والتي تشكل ما نسبته 40 % من عدد السكان في الأردن، وإن تخصيص إعلان الحماية لهذه الفئة هو للدلالة على أهميتها في بناء المستقبل والالتزام بالمعايير العليا لحماية هذه الفئة وذلك حماية لمستقبل البلد فإن أطفال اليوم هم مستقبل الوطن وعدته للتطور والازدهار، لهذا فإن الدول اعترفت بحق الطفل في الرعاية الصحية والنفسية بتقديم الرعاية الصحية وتأمين المراكز والمتنزهات التي تضمن نموه الإنساني والذاتي.
لقد جاء قانون حقوق الطفل لضمان رعايته في أسرة آمنة طبيعية حادبة محبة، وذلك بحماية خصوصيته وجسده ونفسيته من اعتداء غيره أو حتى من اعتداء فرد مسيء من أفراد الأسرة، وهذا يحصل ونعرفه وشاهدناه ونشاهده، فإن كنت في أسرة آمنة وأطفالك ينعمون بحمايتك ورعايتك لهم فاعلم أن ليس كل الأطفال توفرت لهم هذه النعمة فإن بعضهم هجره والده أو والدته وبعضهم يعذب بالنار والسياط يوميا تحت تأثير أب مدمن أو أم مدمنة وبعضهم يباع في الشوارع للتسول أو أعمال الدعارة وهذه حقائق اجتماعية معروفة، فلمصلحة من نقف أمام حماية هؤلاء الأطفال وتدَخُّل القانون لحمايتهم!؟
ثانيا: إن إقرار قانون الطفل في ثلاث عشرة دولة إسلامية عربية دليل واضح على أن تلك القوانين لم تكن ضد الدين ولم تساعد الأطفال على تغيير دينهم ولا عقيدتهم ولا شجعتهم على الانحلال – أياً كان تعريفك للانحلال – ولم نعلم عن دولة عربية شرعت هذا القانون وبدأت تلمُّ الأولاد من أسرهم الآمنة أو أن إعطاء الطفل الحق بالتعبير عن الرأي نزع الطفل من أهله، وهذه أدلة منطقية وعملية تدلل على أن حجج الطرف المهاجم لقانون حقوق الطفل غير واقعية ومختلقة وأن وراء الأَكمة ما وراءها، فليس قانون حقوق الطفل ولا نصوص مشروع القانون هي المشكلة، خاصة وأن تجويد مشاريع القوانين التي تقدمها الحكومة هو عمل يومي للبرلمان! إذا لماذا هذا الهجوم والشيطنة لمشروع قانون يمكن تجويد نصوصه بسهولة؟
يشير بعض المحللين أن هناك معركة خفية وراء مهاجمة هذا القانون وأن لها بعدا انتقاميا على إثر معركة تنظيم مراكز تحفيظ القرآن، وآخرون يشيرون إلى معركة داخلية هدفها استعادة جمهور معين غضب من مشاركة تيارٍ معين في اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وآخرون يعتقدون أن هناك قرارا بإعلان سطوة توجه معين على الفضاء العام وخاصة الإلكتروني والذي تؤكد مصادر صحفية أن معركته أديرت باحتراف بأيد أجنبية وقد جمع لها ما جمع من منظمات وهيئات لم تنبس ببنت شفة في ثلاث عشرة دولة عربية أقرت قانون حقوق الطفل.
أيها القوم لا غرور في السحال والتجاذب والمعارك السياسية، ويحق لكل فريق أن يمارس نشاطه السياسي والحزبي كيف يشاء ومن حقه تحريك الجماهير وحشدهم لمصلحته، ولكن العرف السياسي المعاصر والحديث أن الدول والشعوب في المعارضة والموالاة في اليمين واليسار تجتمع عندما يتعلق الأمر بقضية فيها مصلحة وطنية عليا للمجتمع أو في مواجهة عدو أو خطر داهم، إن اختيار قانون حقوق الطفل لتصفية حسابات مع الحكومة ليس بنزاهة سياسة ولا عمل تنافس سياسي نزيه، والأولى أن يعمل جميع الفرقاء لتكريس حماية الطفل حماية للمستقبل والحاضر وللمواطن والوطن، ولنتفق جميعا أن تاريخ العمل السياسي شاهد على أن أي فريق يستقوي على فريق آخر بما تيسر له من إمكانيات مادية أو معنوية أو استغلال لمشاعر الناس الدينية النبيلة واللعب على تدينهم ومخاوفهم على دينهم على حساب مصلحة وطنية عليا يدينه التاريخ وهو الخاسر الأكبر في النهاية، والمحيط السياسي العربي خير دليل، أفلا نتعظ جنابك؟