على منوال هوية سفينة ثيسيوس التي تحدثنا عنها في المقال السابق، أجرت أستاذة الفلسفة شارون كاي في جامعة جون كارول الأميركية، تجربة فكرية خاصة بالهوية، أي تمرين عقلي (افتراضي).
«يفاجئك الأطباء بأخبار سيئة أنك مصاب بمرض خطير جداً يسمى بمرض سفينة ثيسيوس لا دواء له، ولكنهم يطمئنونك بأنهم سيعالجونه. لقد تم تشخيصك في المستشفى بعد أن شكوت من ألم فظيع في الإصبع الصغير في قدمك اليسرى. وقد نظم لك الأطباء منهجاً خاصاً من العلاج الاستثنائي في جراحة تبديل الأعضاء (Prosthetics) وبها سيتم بتر إصبعك، وتركيب إصبع بديل مماثل له في مكانه، يقوم بالوظيفة نفسها، وكأن إصبعك البيولوجي غير مبتور وستندهش من استحالة التمييز بين الإصبعين.
ولسوء الحظ كان ذلك مجرد البداية، لأن التبديل كما تبين فيما بعد لم يوقف انتشار المرض، فبعد الشفاء من تبديل الأصبع الصغير ها أنت تعاني من ألم مشابه في الإصبع المجاور، ويجب أن يبتر ويركب أصبع مماثل له في مكانه.
ولسوء الحظ أصاب المرض نفسه بقية الأصابع وتم تبديلها. لكن يبدو وأن المرض انتقل إلى قدمك، فماذا يمكن أن تعمل الآن؟ ليس لديك من خيار سوى السماح للأطباء ببتر قدمك وتركيب قدم مماثلة بدلاً منها.
كان الأطباء يأملون بوضع حدٍ للمرض، ولكنهم كانوا مخطئين، فقد انتقل المرض إلى الساق اليسرى، وقد قرروا بترها وتركيب ساق بديلة لها.
ها أنت عدت إلى حياتك العادية بعد الشقاء لكنك جئت تشكو مرة أخرى من ألم شديد في الإصبع الصغير في قدمك الأيمن، لكنك هذه المرة لم تضيع الوقت، فقد أسرعت بنفسك إلى الأطباء لتبديل كل ساقك اليمنى، لكن المرض انتشر بسرعة في ذراعك اليسرى ثم في ذراعك اليمنى، وها قد مرت سنة عليك مصاباً بهذا المرض اللعين وأطرافك البديلة تعمل كالقديمة تماماً.
لقد صرت جاهزاً لوضع كل ما حدث وراءك. غير أنك في صباح هذا اليوم جئت تشكو من ألم مبرح في بطنك، وقد قام الأطباء بفحصك فتبين أنك مصاب بالمرض نفسه، وأن العلاج الوحيد له هو إزالة بطنك بالكامل. ولحسن حظك لم يصل المرض بعد إلى ما فوق رقبتك، غير أنه إذا انتشر المرض نفسه فوقها، فأصاب الرأس فإن الأطباء مستعدون لتبديله، وسينقلون إلى رأسك الجديد جميع المعلومات المتوفرة في دماغك القديم إلى دماغك الجديد فيه. كما أنهم على استعداد لصياغة ملامح جديدة لك (New Look) إذا كنت ترغب في ذلك.
وبعد الشفاء من العمليات الجراحية تستطيع العودة إلى حياتك العادية، ولكن بجسم جديد خالياً من مرض سفينة ثيسيوس نهائياً، فهل أنت مستعد للمضي قدماً في العلاج؟ فبدونه سيستمر ألم بطنك وستموت في بحر أسبوع.
والآن نسألك: وبهذا التبديل لجسمك ورأسك هل تظل الشخص نفسه؟ يبدو أن الساقين والذراعين الجديدة لم تؤثر على هويتك بتاتاً، فقد قام كثيرون قبلك بتركيب أعضاء جديدة، ولكن هل ستكون أنت نفسك بدماغك الجديد؟ هل تظل أنت نفسك بعده؟ هل تكون الشخص السابق نفسه أم أنك صرت شخصاً جديداً؟
حسب هذه التجربة نحن أمام شخصين: الشخص قبل العمليات التي شطبته تماماً والشخص الجديد الذي انبثق منها. وإذا كان مسيحياً أو مسلماً فهل سيحاسب في الآخرة على شخصه الأول أم على شخصه الثاني؟
كان الفيلسوف الإنجليزي جون لوك (1632 – 1705) مشغولاً بهذا الموضوع، وكان يؤمن بالحياة الآخرة. حسب اللاهوت المسيحي يحصل البشر على أجسام جديدة بعد الموت، تنتقل إلى السماء. وكان لوك يتساءل: هل يبقى المرء هو نفسه في الآخرة، كما كان هو نفسه في الدنيا أم يصبح شخصاً آخر إذا تغيرت ذاكرته؟
يرى الإمام الغزالي أن المرء في الآخرة يحتفظ بذاكرته الدنيوية.
وبكلمات أخرى: كان لوك يريد أن يعرف فيما إذا كان المرء في الآخرة يظل محتفظاً بذاكرته الدنيوية فيعرف أهله، أصدقاءه، وزملاءه عندما يلتقي بهم هناك كما كان يعتقد الإمام الغزالي، أم تكون له ذاكرة جديدة فلا يعرفهم ولا يكون هو نفسه؟