الأفكار التي يتم طرحها من وقت لآخر تطفو لأيام ثم ما تلبث أن تتبخر دون معرفة مصيرها أو وجود متابعة فعلية لها. منذ أعوام والحديث دائر عن تعاون أردني عراقي في مجال نقل وتصدير الطاقة، بحيث يؤسس خط ناقل بري بين حقول النفط العراقية وميناء العقبة تحصل الأردن على جزء من حاجاتها للطاقة لقاء استخدام أراضيها وخدمة هذا الخط. حتى اليوم لا نعرف مصير هذه الفكرة التي بشر بها عدد من رؤساء الوزارات السابقين وأشعروننا أن المشروع على الأبواب.
الاهتمام الأردني بالزراعة والحديث عن الاكتفاء الذاتي يخلق الانطباع بأن البلاد ستتوجه الى زراعة السلع الأساسية الاستراتيجية وأنها قد وضعت خطة لهذا التوجه وباشرت بالتنفيذ. حتى اليوم لم نلمح ما يمكن أن يشير الى تحقيق لهذا التوجه بالرغم من التصريحات التي أشارت الى إمكانية تحول الأردن الى مركز إقليمي للأمن الغذائي.
المدن الصناعية التي تأسست في معظم المحافظات وباشر البعض منها نشاطه تعاني من ضعف الإقبال وإغلاق للمشاريع بالرغم من كثرة الحديث عن التشجيع والتسهيلات وتغيير أنماط الإدارة وتعديل التشريعات وإعادة تأكيد معالجة الاختلالات التي تضعف تنافسية المنتج وتعيق التقدم نحو الأهداف التي يتطلع الجميع لتحقيقها.
الحديث مع بعض المستثمرين الذين باشروا مشاريعهم ولم يستكملوا أو انسحبوا بعد فترة من العمل يشير الى وجود معوقات بيروقراطية وإدارية ومحاولات للتربح والاستغلال من قبل من يقفون على منافذ الخدمات التي وجدت لتيسير الاستثمار وتسهيل عمل أصحابه. الكثير من المستثمرين يشكون من محاولات استغلال وابتزاز وافتعال لتعقيدات وعقبات غير مبررة. على الجانب الآخر، يواجه المستثمرون مشكلات في مستوى العمالة وأسعار الطاقة التي تعد أحد أهم عناصر زيادة التكلفة وتقليل فرص منافسة المنتج.
في الأردن هناك تداخلات وتعقيدات في علاقة شركات الإنتاج والتوليد والتوزيع للطاقة، ارتباط هذه التداخلات باتفاقيات متشابكة أدى الى إنتاج وشراء كميات من الطاقة يفوق الحاجة، الأمر الذي يؤدي الى ارتفاع الكلف على المستهلكين. المؤسف أن كل ذلك يتم بوجود إمكانية لزيادة إنتاج الطاقة من خلال المصادر المتجددة. لأسباب إدارية وقانونية وفنية تواجه عشرات الطلبات التي تتقدم بها شركات توليد الطاقة الناشئة بالرفض لأسباب تتعلق بسعة الشبكة ووفرة الطاقة المولدة التي يجري البحث عن مسارات لتصريفها.
في محافظتي الطفيلة ومعان، يوجد عدد كبير من شركات توليد الطاقة التي حولت فضاء المحافظتين الى حقول مزروعة بتوربينات هوائية عملاقة. الاستغلال الواسع لطاقتي الرياح والشمس لا ينعكس إطلاقا على أوضاع هذه المناطق ولا يسهم في نهضتها الاقتصادية أو برامجها التنموية المتعطلة. الشركات التي توالدت في السنوات القليلة الماضية تنتج ما يقارب الـ20 % من احتياجات الأردن من الطاقة الكهربائية ولن يزيد الإنتاج على 30 % حسب الاستراتيجية الحكومية للطاقة التي عرضت لها الحكومة صيف هذا العام. الطاقة قليلة الكلفة التي تنتجها الشركات تباع بأسعار رخيصة نسبيا ولا يوجد تشجيع لمزيد من الإنتاج بسبب الطاقة الاستيعابية.
المقترح الذي نتمنى دراسته من قبل الحكومة يتعلق بإمكانية السماح للأهالي بتأسيس شركات كهرباء محلية في محافظتي الطفيلة ومعان لتنتج الطاقة من مصادر الهواء والشمس بأسعار منخفضة للمصانع والشركات والسكان الذين يعانون من مشاكل الفقر والبطالة. مثل هذه الحوافز قد تمنح دفعة قوية للصناعات والاستثمارات وقد تشكل حلا لأزمة المدن الصناعية في هذه المحافظات وتضع حدا لمشكلتي الفقر والبطالة وتنعش الاقتصاد في هذه المناطق التي تتعاظم معاناتها يوما بعد آخر.