الأخبار التي طالعتنا خلال الأيام القليلة الماضية عن بوادر تعافي القطاع السياحي المحلي، تبعث على الطمأنينة، فقد قرأنا أن موقع المغطس استقبل أكثر من 15 ألف زائر خلال الشهر الماضي، وهو العدد الشهري الأعلى منذ افتتاحه قبل 20 عاما، كما أن عدد زوار البترا للشهر نفسه بلغ أكثر من 86 ألف زائر، 60 ألفا منهم من الأجانب.
إذن، الحركة السياحية تبدأ بالتعافي التدريجي بعد عامين من انهيار كامل جراء جائحة كورونا. ورغم أننا لا نقلل من قيمة الجهود التي تبذل لتحسين الوضع السياحي، إلا أن سؤالا مهما يلح على المراقبين، وهو: هل 15 ألف زائر لموقع المغطس هو رقم يستدعي كل هذا الاحتفال؟!
موقع المغطس هو مكان عماد السيد المسيح، وموقع حج مسيحي معترف به من الفاتيكان، ويعتبر أيضا موقع تراث عالميا معترفا به من “اليونسكو”، وهو ثالث أقدس موقع ديني لدى المسيحيين، وأحد محطات رحلة الحج المسيحي، وقد أدرج في لائحة التراث العالمي، فهل نقنع بهذا الرقم المتواضع لنقول إننا نتعافى؟!
بالتأكيد ليس كذلك، والقائمون على تنشيط السياحة يدركون ذلك جيدا، ولا شك لدي أنهم يسعون إلى زيادة الأعداد، لكن كيف سيكون ذلك؟ وكيف يمكن استغلال هذه الأرقام لزيادة الدخل السياحي؟
إذا كنا سنحتكم للأرقام، فكنيسة “لوردز” في فرنسا يزورها سنويا أكثر من 5 ملايين سائح من 149 دولة، ولو أضاء كل زائر شمعة، متوسط سعرها 5 دنانير، فإننا نتحدث عن 25 مليون دينار أردني، من شأنها تحريك العجلة التجارية للمنطقة كاملة، والمساهمة في تطوير الموقع، وتوفير إمكانيات أكبر لتسويقه وترويجه عالميا.
لنتخيل هذا يحدث في موقع المغطس، الأكثر قداسة عند المسيحيين من جميع دول العالم؟
في مقارنة بسيطة وغير مفهومة، فموقع جبل نيبو، الذي لا يبعد أكثر من 15 دقيقة بالسيارة عن موقع المغطس الذي زاره في 2019 حوالي 670 ألف زائر، بينما زوار المغطس كانوا 183 ألفا في العام نفسه. والسؤال هنا، لماذا هذا التفاوت بالأرقام بين الموقعين، اذا كان فعلا يتم تسويق المغطس بطريقة صحيحة، علما بأن المغطس أكثر أهمية من الناحية الدينية!
الإحصائيات التي أعلنتها، أيضا، سلطة إقليم البترا التنموي السياحي، تكشف عن أن زوار المنطقة خلال أيار الماضي 86 ألفا و322 زائرا، من جميع الجنسيات، منهم 60 ألفا و640 زائرا أجنبيا، بينما عدد الزوار الأردنيين والعرب 25 ألفا و670 زائرا.
وبالمقارنة مع الفترة نفسها من عام 2019، الذي بلغ فيه عدد زوار البترا 87 ألفا و622 زائرا، من جميع الجنسيات منهم 81 ألفا و268 زائرا أجنبيا و4873 زائرا أردنيا وعربيا.
دراسة هذه الأرقام ضرورة لأجل البناء عليها، كما يتوجب معرفة عدد زوار المبيت، والليالي الفندقية في البترا تحديدا، ونسبة زوار اليوم الواحد من مجموع زوار البترا، ونسبة المجموعات السياحية من مجموع الزوار، إضافة إلى نسبة إشغال فنادق البترا في شهر أيار. عندها، يمكن الحصول على صورة واضحة لوضع السياحة في الأردن.
نعترف بجهود القائمين على إنعاش حركة السياحة في الأردن وتنشيطها، لكن الواقع يقول إن البلد يمر في ضوء التحولات العالمية، اقتصاديا، وسياسيا، بمرحلة غاية في الصعوبة، والقادم على كل المنطقة ربما سيكون أكثر سوءا، لذلك نحتاج إلى إدارة ملف السياحة بطريقة أكثر جدية، لكي نتجاوز التخبطات التي يشهدها القطاع منذ سنوات طويلة، والتي خسرنا بسببها ملايين الدولارات دون سبب مقنع.