الطقس السياسي منذ بداية هذا العام كان خريفيا بامتياز، فجأة أصبح ملبدا بالغيوم والغبار، فقد تعرض بلدنا لمنخفضات سياسية متتالية، صاحبها “البرد” أحيانا، و”القلق” أحيانا أخرى، بعضها تشكل في فضائنا العام، والآخر عبر من خارج الحدود وامتد إلينا، الأجواء السياسية كانت مهيأة لسقوط زخات من المطر، لكنها لم تسقط حتى الآن، أما دوائر الأرصاد السياسية فهي صورة مطابقة لدوائر الأرصاد الجوية، التحليلات والتنبؤات لم تكن دقيقة، والنتيجة مزيدا من “الخيبات” في قراءة ” كف” الجو، “وفنجان” السياسة أيضا.
استدعاء المناخ لفهم حركة السياسة ضروري لسببين، الأول يتعلق باستحقاقات الجغرافيا الأردنية، والثاني بتقلبات مزاج الأردنيين، أقصد هنا أن الضريبة التي ندفعها مع تحولات المناخ بحكم الجغرافيا وما يطرأ من تأثير على المزاج العام للناس، هي ذاتها التي ندفعها– وربما أكثر- في مجالنا السياسي، ومن المفارقات أن ما فعلناه لمواجهة تحديات المناخ وانحباس المطر (الأزمة المائية والبيئية، وقصة السدود وشراء المياه) لا يختلف عما فعلناه لمواجهة الأزمات السياسية، ومنخفضاتها التي عبرت بلدنا، وتعمقت فيه أحيانا. جردة حسابات المنخفضات السياسية في هذا العام توزعت بين طرفين، أحدهما داخلي والآخر خارجي، لكن حين ندقق في الصورة نكتشف أن ثمة تشابكا بين الطرفين، وأن بلدنا تعرض – وما يزال- لمحاولات تفجير سياسي استهدفت زعزعة استقراره، والأخطر من ذلك أنها، من حيث التوقيت، جاءت في لحظة سيولة سياسية تعاني منها المنطقة، حيث تحاول كل دولة أن تسدد ما عليها من فواتير دون اعتبار لمصالح الآخرين، وحين ندقق أكثر نكتشف أن امتدادات الخارج في الداخل، والعكس أيضا، تلاقت في قناة واحدة، وصبت فيها، كما أن أدوات لعبة الاستهداف كانت متنوعة، وتقاسمت أدوارها بشكل لافت ومريب.
للتذكير فقط، خلال الأشهر الستة المنصرفة فقط (بداية نيسان حتى تشرين الأول) شهد بلدنا عددا من الاهتزازات السياسية، بعضها صنف في دائرة “العبث الداخلي” والآخر في دائرة “الضغط وجس النبض”، دخلت علي خط هذه الاهتزازات تحولات داخلية كردود فعل أو استجابة، ثم دخل عليها أيضا فاعلون من الخارج، في التفاصيل يمكن أن أشير إلى فتنة نيسان التي انتهت بمحاكمة المتورطين (الشريف وعوض الله) وفتنة التمرد الاجتماعي التي انتهت بمحاكمة النائب المستقيل، ثم جاء تشكيل لجنة التحديث وبعد أن اشهرت نتائجها تفاجأنا بالجدل الذي احتدم حول “الهوية الجامعة”.
في الأثناء جاءت قصة وثائق “باندورا” التي انتزع منها الإعلام– كل الإعلام– الوثائق التي تتعلق بالأردن فقط، وتجاهل غيرها من المعلومات التي وردت في أكثر من 12 مليون وثيقة، بعدها تتالت التقارير الصحفية عن الأوضاع في الأردن: تقرير أصدره معهد الأمن القومي في جامعة تل أبيب عن قلق إسرائيل من التحولات في المملكة، مقال كتبه (هل كتبه حقا؟) أحد رجال الأعمال الفلسطينيين ونشره في (foreign policy) طرح فيه وصفة مغشوشة لحل القضية الفلسطينية عبر (الخيار الأردني)، ثم تقارير عن تراجع الأردن في مستوى الحريات العامة وحرية الصحافة والتعليم …الخ.
لكي نفهم ذلك، نحتاج إلى منطقين: الأول منطق الاعتراف أن لدينا “أزمات” داخلية، نحن المسؤولون عنها، ومن واجبنا أن نتوافق على حلها بأنفسنا، أما الثاني فهو منطق الحذر والانتباه، فبلدنا يتعرض فعلا لسلسلة من المنخفضات “السياسية” الباردة جدا، مصادرها ليست بعيدة عن تركة ترامب وكوشنير وحلفائهما في المنطقة، وهدفها “تجميد” حالة السياسة الأردنية إلى ما تحت الصفر، لكي يسهل “تكسيرها” وفق سيناريوهات تتناسب مع خرائط جديدة يجري رسمها، وبموجبها يتم الضغط على الأردن لدفع “الفاتورة”، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، هذه الفاتورة تبدو أكبر مما نتصور، لكن يبقى الرهان على مناعة الأردنيين وقوة صمودهم وإرادتهم حاضرا على الدوام… وفهمكم كفاية.