السبت، 24-10-2020
03:06 م
منذ التحاقي بجهاز الأمن العام قبل 43 عاما وانا اسمع عن اسماء بعض عتاة المجرمين. بعضهم احترف السرقة وآخرون كانوا اكثر ميلا للعنف والتبلي لدرجة انهم أتقنوا ابتلاع الشفرات والادوات الحادة والمتاجرة بالممنوعات لكن لا أحد منهم وصل الى المستويات التي يجري الحديث عنها اليوم.
حسب روايات اسلافنا في الجهاز أسس اللواء حكمت مهيار منهجية لمحاصرة وتتبع كل من لديهم ميول اجرامية واصبحت الشرطة تعرفهم وتتعامل معهم بطريقة تجمع بين الضبط والاصلاح دون المخاطرة بأمن المجتمع. وكما فعل حكمت مهيار حاول نصوح محيي الدين وقبله ذياب يوسف ان يتتبعا الجرائم وفكرة تشكل العصابات بطرق مزجت بين الرقابة والاشتباك وحجز الحرية.
الجريمة في الأردن كانت لوقت قريب تحت السيطرة بفضل احترافية الضباط والجنرالات الميدانيين امثال عبدالوهاب النوايسة وعدنان الشمايلة في الزرقاء وسعيد غنيم وصلاح الكراسنة في بحث العاصمة ونماذج الرصد والتتبع التي ارتبطت بشخصيات تناوبت على المشاركة في الدورات واللقاءات العربية والعالمية كما فعل فايز قبلان وعادل الطراونة وعيسى ايوب ومجحم الفاعوري ومشهور العوايشة وغيرهم العشرات قبل ان تقتل المدرسة الاحترافية باستقدام قيادات خارجية او الاستعانة بمن لا يملكون خبرة او ميلا في ممارسة او تقدير الاعمال الميدانية للمكافحة والضبط.
من وقت لآخر كانت البلاد تسعد لسماع اخبار اعتقال المجرمين فيهرع الضباط من مختلف اقسام شرطة العاصمة ليتحققوا فيما اذا ما كان لهؤلاء المجرمين صلة بجرائم ارتكبت في مناطقهم وسجلت ضد اشخاص مجهولين. كان العمل في تلك الايام مثيرا ومليئا بالنشوة حيث كان الجميع يعرفون موقفهم من القانون فهناك الغالبية العظمى التي تقع تحت سلطة القانون وتراقب أداء الاجهزة التي لا هم لها الا حماية المجتمع والمحافظة على منجزاته وحقوق مواطنيه.
حتى الحملة الاخيرة لم يخطر ببالي ان في الأردن هذا العدد من الاشخاص والعصابات التي تعتاش على الترهيب والترويع والابتزاز والبطش، فقد كنت مؤمنا برواية الامن والامان التي تحدث عنها نصوح محيي الدين وصاغ خطابها محمد علي الامين يوم كانت قيادات اجهزة الجيش والشرطة والمخابرات العامة متجاورة في العبدلي ويوم كان الناس يتركون متجارهم مفتوحة طوال اليوم لا يعلن عن غياب صاحبها الا بوضع كرسي عند مدخل المتجر.
اليوم بلغ الاستهتار بحقوق الناس مبلغا دفع بالبعض الى التباهي باستخدام اسماء مثل المفك والبرغي والمسمار والجك وكل التجهيزات التي تستخدم في ورشات الميكانيك والبناء. هؤلاء الاشخاص يعيثون في البلاد فسادا ويتلقون الدعم من العشرات ممن يتصدرون الفضاء العام وينظرون علينا في الاخلاق والاستقامة ويتباكون على سيادة القانون.
الواضح مما كشفته البيانات ان وجود الجماعات والعصابات والاشخاص الاجرامية لم يكن طارئا ولا عرضيا فقد تطور بعضها منذ زمن وورث البعض الدور والعضوية في هذه الجماعات عن الآباء او الاشقاء او معلميهم وشيوخهم.
القرار الأمني باتخاذ هذه الخطوة المؤجلة خلق مزاجا شعبيا داعما لكنه محمل بالاسئلة حول الجهات والاشخاص الذين جمعوا ورعوا نشاطات اجرامية واعمال الترهيب والترويع والاتاوات. الكثير من الناس يسألون عن الاسباب التي ادت للسكوت عن الظاهرة ويطالب البعض منهم بمحاسبة المسؤولين.
الحديث بأن هذه العصابات واعضاءها معروفون والتأخر في التحرك لضبطها ووقف نشاطاتها امر في غاية الخطورة يبعث في النفوس الكثير من الخوف والقلق اللذين لا يقلان عن الخوف الناجم عن فلتان هذه المجموعات واستباحتها للفضاء الاقتصادي والاجتماعي والأمني على طول البلاد وعرضها.
الشهادة التي أدلى بها المحافظ رائد العدوان لقناة المملكة والمعلومات التي وردت على لسان بعض كبار ضباط الامن المتقاعدين حول ظاهرة البلطجة والمجموعات الاجرامية المتخصصة بترويع وإرهاب المواطنين يخيف كل من استمع اليها.