ربما هي الحكومة نفسها؛ وعلى الرغم من كل بذلها ودعمها لحماية القطاع الزراعي والاستثمارات فيه، لكنها وفي الوقت نفسه تترك الحبل على الغارب، للمتصيدين والمبتزين والمنفلتين وطلاب النجومية الهابطة، يتطاولون على الدولة وعلى المؤسسات وعلى القطاع والمنتجين، حتى المواطنين المستهلكين لا يسلمون، ولا يهتم هؤلاء لا بقدرتهم الشرائية ولا بصحتهم ولا بنفسيتهم المتعبة بسبب الأكاذيب والمغامرات التلفزيونية، والخطاب تبع(عندي وثائق)!.. الوثائق التي لم يظهرها احدهم يوما، لأنها مجرد جملة تقال في ثوان عبر شاشة فضائية، هي بدورها لها حساباتها الخاصة في استثمار وقت الحوار لفرض وجهة نظرها في التكسب من القضايا العامة، على حساب الوطن والحقيقة ومؤسساتها المهنية.
تداعيات الحديث الذي يسوقه بعضهم مجافيا الموضوعية والحقيقة، بأنه حديث (تهم متبادلة)، هو ليس كذلك، هو باختصار حديث اتهامي من طرف واحد، يتهم الدولة وموظفيها بالكذب والفساد، أو على الأقل بالرشوة والاتجار بصحة المواطنين، من خلال سماحهم باستيراد نفايات الغذاء العالمية..! ضاربا عرض الحائط برواية الحقيقة التي يقدمها شخص اعتباري مسؤول، كوزير الزراعة الاردنية مثلا أو مدير الجمارك الاردنية أو مدير عام مؤسسة الغذاء والدواء الأردنية، ولا يلتفت المتحدث المشكك لآثار هذا الحديث اللحظي المتلفز على قطاع الدواجن المحلية، الذي يعتبر نفسه مدافعا عنه، ويقاتل (حسب طريقته) لإبعاد أية سلعة مستوردة منافسة، ضاربا عرض الحائط الف مرة باحتياجات المواطن وبالاستثمارات الوطنية الأخرى.
بسبب تلك المعركة الكلامية الاتهامية التي خرجت من طرف اداري في الاتحاد النوعي للدواجن، تراجعت أسعار الدجاج اللاحم في الأيام الماضية وهبطت 20 %، ووصلت اقل من دينار لسعر كيلو دجاج النتافات وغيره، واشتكى مزارعون من تدني الأسعار نظرا لعزوف الناس عن الشراء، بسبب تلك المغامرات الكلامية غير المحسوبة، سيما وأن مجموعة من أكبر الشركات المنتجة للدجاج المحلي اللاحم، قد انسحبت بدورها من الاتحاد، معلنة براءتها من الخطاب المذكور.
الدولة ورغم منظومة قوانينها ومؤسساتها العتيدة، هي أكبر الخاسرين، وكثيرا ما افقدها المغامرون ثقة المواطنين بها، بسبب الاشاعة والخطاب الاتهامي التحريضي الكاذب، ولست أعلم من يتحمل مثل هذه الخسائر غير الدولة ومواطنها الصابر؟! ومن هو الذي يستفيد فعلا من ورائها !!.
تسير الدولة من خلال الحكومة ممثلة بوزارة الزراعة وغيرها، باتجاه تعميم فكرة التعاونيات وبناء التحالفات الاستثمارية بين اطراف القطاع الخاص العاملة والمستثمرة في القطاع الزراعي، وتساهم بدعم مثل هذه الكيانات التعاونية التشاركية، دون ان تكون طرفا استثماريا فيها، وتحثّ الشركات مثلا على بناء تحالف تصديري للمنتجات الزراعية، لإيجاد أسواق جديدة وتسهيل وصول السلع الزراعية الاردنية إليها، وكذلك تطالب كل المزارعين المستثمرين في قطاع الدواجن، أن يدشنوا مصانع محلية للتصنيع الغذائي المرتبط بلحوم الدواجن، لتقلل من حجم استيراد اللحوم التصنيعية من الخارج، وتعمل على تنمية القطاع محليا لإيجاد فرص عمل، وتحقيق ارباح من القيمة المضافة التي تتحقق من خلال التصنيع الغذائي المحلي، وإنتاج كل ما يتم استيراده من الخارج.. ورغم هذه التوجهات تجد من يقدم خطابا تدميريا يفسخ الكيانات القائمة بدل توسيع مظلتها واستحداث أخرى أكثر اختصاصا !.
لا يمكننا التحدث تفصيلا، وننتظر ما ستسفر عنه تحقيقات اللجنة الحكومية التي تحقق في قضية التسمم الغذائي، وانتظار رأي هيئة النزاهة ومكافحة الفساد بخصوص الأكاذيب التي روجها بعضهم ودمروا خلالها ما دمروا.
اقسم بأن بعض القنابل والمتفجرات والأعمال الارهابية أقل خطرا على الدولة والناس من بعض المغامرات والخصومات المسعورة والاشاعات.