الأحد، 21-05-2023
04:43 م
تقول الأرقام الرسمية إن أكثر من مليون لاجئ سوداني، اضطروا أن يغادروا السودان بسبب الحرب القائمة، ربع مليون شخص منهم غادروا خارج بلادهم، والبقية داخل السودان ذاته.
هذا يعني أن السودان أمام موجة لجوء بسبب الحرب والاقتتال، وأعداد اللاجئين سوف تزداد، إما إلى مصر، أو إلى دول أفريقية ثانية، أو حتى داخل السودان، كما أن موجات اللجوء الداخلية ستؤدي على الأغلب إلى إعادة رسم الخريطة الاجتماعية، بسبب انتقال مئات الآلاف من مواقع إلى مواقع، بما يعنيه ذلك اجتماعياً واقتصادياً وقبلياً خلال الفترة المقبلة.
أغلب الدول العربية أصبح بها مخيمات، وقريبا سنشهد إقامة مخيمات في السودان برعاية الأمم المتحدة، ومخيمات لأهل السودان في دول جوار السودان، وبحيث ينضم هذا البلد إلى قائمة طويلة من البلدان العربية التي تحولت من دول إلى مخيمات، بحيث يستحق العالم العربي جائزة المنطقة الأكثر إنتاجاً للمخيمات في هذه الدنيا، دون أن يتعلم أحد من أحد من هذه الدروس.
لا يمكن للحرب الدائرة في السودان، حيث تتداخل أطراف دولية في المشهد الداخلي، إلا أن تؤثر على كل تلك المنطقة، وقد ثبت لدى المختبرات السرية في العالم، أن القدرة على تدمير أي بلد عربي، وتشظية بنيته أمر ليس صعبا، وسيناريو التقسيم ينتقل من بلد إلى بلد، والمخيمات تتكاثر مثل الفيروسات، في كل مكان، في دول تعد غنية الموارد وغير محرومة، لكن من أداروا أمورها سلموها للغرباء، وضحوا بها على مذابح أجنداتهم وصراعاتهم الدموية.
المؤامرة نظرية يرفضها كثيرون، لأن الاتكاء عليها، يراد منه أحيانا إخفاء حجم الخراب الداخلي، والهشاشة، وغياب الحقوق، والاستقواء بالولاءات الفرعية من الجهوية إلى القبلية، مرورا بالمذهبية وفروعها، لكن المؤامرة صحيحة، وليست وهما، وهي أيضا تستفيد من كل البنى التحتية المنخورة لتنفيذ هذه السيناريوهات، ولولا الخراب الداخلي لا يمكن أن تنجح أي نظرية للمؤامرة.
أليس محزنا في عام 2023 أن يتفوق العالم في مجالات كثيرة، ونحن نعود إلى عصور الخيم، والمخيمات في أوطاننا الممتدة، وبحيث أصبحنا الخزان البشري الأول لصناعة المخيمات في العالم، وليس أدل على ذلك من مخيمات اللاجئين خلال آخر عقدين في سورية، والعراق، واليمن، والحبل على الجرار هنا، وقد كنا نظن أن المخيمات التي نتجت عن احتلال إسرائيل لفلسطين، هي أول وآخر المخيمات، لكن الذي ثبت أن هناك لعنة تتنزل على الكل، فتمتد المخيمات من بلد إلى بلد، بدون احتلال مباشر، بل عبر أدوات محلية، تنفذ ما يمكن للاحتلال تنفيذه مباشرة.
في التحليلات الدولية كلام يتسرب منذ سنين طويلة عن التخطيط الأسود لمصر والجزائر، ودول ثانية في المنظومة العربية، وعلينا أن نقرأ موجات اللجوء في السودان بطريقة تتجاوز البعد الإنساني اللحظي، نحو الخرائط الاجتماعية التي تتغير تكريسا للتقسيم الداخلي، وبحيث تبحث كل مجموعة لاجئة عن الأمان عند مجموعة ثانية، تطمئن لها، وهذا يعني التفكيك الداخلي، وبدء الخروج من حالة المواطنة، على عموميتها ومشاكلها وأزماتها، إلى حالة المجموعة ومواصفاتها.
قصة السودان متعددة الأسباب، لكن المؤكد أن سقوط أكثر من ألف قتيل، وجرح الآلاف، وتشريد أكثر من مليون، سيؤدي إلى ثأر سياسي وعسكري وقبلي، وهذا يقول في المحصلة إن كل هذا البلد يذهب إلى مصير لا يعلم به إلا الله، فيما على بقية دول المنطقة، أن تتعلم مما يجري، وأن تعيد مراجعة أوضاعها الداخلية، بشكل عميق، وأن لا تنتظر امتداد النار إليها، بفعل داخلي أو مؤامرة، من خلال ترتيب أوضاعها الداخلية، وعدم فتح المجال لنفاذ هكذا سيناريوهات.