على الرغم من أنني غير راض كثيرا على منجزات الحكومة على صعيد ترسيخ سيادة القانون، حيث استبشرت خيرا بقدوم بشر الخصاونة على هذا الصعيد تحديدا، فخلفية الرجل واختصاصه هي القانون، ولا أنكر بالطبع الخبرة الديبلوماسية التي يتمتع بها، وقد كتبت آنذاك بأن هذه الحكومة سترسخ نهج احترام وسيادة القانون، باعتبار هذا النهج هو الغاية من أية ديمقراطية في العالم، فالديمقراطية باختصار توضح للجميع حقوقهم وتفسح المجال لهم بالحصول عليها كلها، والتمتع بها والدفاع عنها، وتمنحهم حرياتهم الكاملة في اختيار نمط تفاعلهم مع الآخرين والسلطات كلها، وتحدد بوضوح حدود حرياتهم.. فعلى الرغم من عدم رضاي شخصيا عن النتائج التي قدمتها الحكومة حتى الآن على هذا الصعيد، إلا أنني أعتبر موقف الرئيس بشر الخصاونة من أحد الذين تجاوزوا عليه وعلى أحد أفراد عائلته، موقفا سليما مطلوبا ويجب أن يكون قدوة لكل مسؤول، يقع تحت تنمر المتنمرين ومطلقي الإشاعات، فصمتهم هو السبب الرئيسي لتزايد حالات التنمر على كل شيء، فالمتنمرون يعتقدون بأنهم يقولون حقائق، تكبل ضحاياهم من المسؤولين، لأنها حقائق، لا يستطيعون معها الدفاع عن أنفسهم، بينما الحقيقة تبين لنا بأن المسؤولين (يترفعون) عن الخصومات مع مواطنين عاديين، ويتجنبون أن يصبحوا حديثا في جميع انواع الاعلام..
تعلمنا في هذه المهنة أن لا نهرف بما لم نتثبت من صدقيته، حيث نعلم أن المعلومة الخاطئة قد تفعل فعلا شيطانيا في الناس والدولة، علاوة على أنها كذب وشر، وهذا هو الفرق بين صحفي مهني يعرف مهنته وحدودها، وأخلاقياتها، وبين مواطن يعاني مشكلة ما أو يغرق عقله بثقافة كامل متطرفة منفلتة ولا تعترف بقانون ولا بحقوق أحد، فيهاجم الدولة ومؤسساتها ومسؤوليها بلا تحفظ ولا أخلاق، وكثيرون من هؤلاء اكتشفوا بعد زمن، بأنهم كانوا يعومون بالخطأ وكل قناعاتهم خاطئة واكتشفوا بأنهم ضحايا خطاب غير صحيح، وفيه تجاوزات على كل العدالات والمنطق.. حيث لم يكونوا يعتقدون ولو اعتقادا أن هذه الدولة ومسؤوليها يتمتعون بالنظافة والأمانة.. لكنهم عرفوا بأن الخطأ في أفكارهم وقناعاتهم وخطابهم المنفلت الذي لا يحفل لا بقانون ولا بحقوق آخرين.
القضاة؛ والقضاء، يمثلون سلطة عقلانية مستقلة، يحكمون بالقانون، ولا يمكن أن يظلم عندهم متهم أو متضرر لديه أدلة على صدق شكواه أو متهم لديه دليل على براءته، وكل يوم نتابع قضايا بل أحكاما في قضايا، تثبت استقلالية ونزاهة وعدالة القضاء، وفي كل المحاكم.. هات دليلا مقنعا للقاضي وللمحكمة، وخذ براءتك، وغير هذا عليك أن تتحمل وزر ما فعلت..
الذي يتنمر على رئيس حكومة أو وزير، ويطلق إساءات وأكاذيب وادعاءات على أحدهم او حتى على أفراد عائلاتهم، سنشكره إن قدم دليلا على كلامه، حتى وإن لم يكن صحفيا مهنيا، أما إن لم يملك مثل هذا الدليل والإثبات لكلامه، فعليه أن يتحمل حكم القضاء، وبمزيد منه بل بأضعافه لو كان صحفيا منتسبا لنقابة الصحفيين، وهذا حق وعدل ومنطق، ويجب أن يلتزم به كل وزير ومسؤول وحتى رئيس الحكومة، وهذا بالضبط ما يجري في الديمقراطيات، تجد حاكما يقوم بنفسه بتحريك شكوى ضد أشخاص تطاولوا عليه أو على عائلته وحياته الخاصة بالأكاذيب، فتحكم لهم المحاكم بغرامات، نقرأ أخبارها ونتحسر على أنفسنا قائلين: لماذا لا يفعل مسؤولونا مثلهم، فهم موظفون وعليهم أن لا يصمتوا عن المتنمر المسيء، لأنهم شخصيات عامة، والإساءة لهم، ليست إساءة بحقهم وحدهم، بل هي بحق دولة ومؤسسات ومجتمع وشعب بات يدفع ضريبة هذا التنمر، لفقدانه الثقة بكل شيء، بسبب كثرة الإساءات الموجهة لكل مسؤول، والتي تصبح في نظر الناس حقائق، لأن المسؤول صمت عنها، والدولة لم تقتص للحق العام، المتمثل بالادعاءات الكاذبة على مسؤوليها ومؤسساتها.
سيادة القانون واحترامه، والاحتكام إليه، عوامل تكفينا لاحترام أنفسنا واحترام الآخرين، ومن يريد أن يتغاضى عن حقوقه الشخصية، شكرا له، لكن عليه ان لا يكون مسؤولا ويتغاضى، لأن المتطرف والمنحرف والأفّاق وسائر جوقة الساخطين على كل شيء، لن يفهموا صمته وتنازله بأنه كرم أخلاق وترفع عن الصغار وصغائرهم، بل يفهمونه فهما واحدا لا غير (هذا مسؤول فاسد، ولو لم يكن كذلك لاستوفى حقه اولا، ثم تكرّم به على الآخرين).
لولا القانون والنظام، لبقي الإنسان على سيرته الأولى ..كائنا من كائنات الغابة، والتنمر على المسؤولين سهل، والصمت عنه من قبل ضحاياه، ليس جميلا، بل هو الجريمة بحق البلاد دولة وشعبا ومؤسسات ومستقبلا.