موقعه وسلطته، ثم طبيعته العسكرية، لم تجعل منه شخصا عنيفا، ولا حاكما دمويا، ولا مفرطا في استعمال سلطته، كان قبل كل شيء انسانا في تقديراته للأمور، بل ان طبيعته العسكرية جعلته أقرب الى شعبه، عاش بين العسكر، ويعرف حكايات الناس، قبل أن يكون ملكا، فهو واحد منا، ولا تتملكه روحانية الحاكم فينا، أو علينا.
الواضح دوما ان الجانب الإنساني في شخصية الملك يبقى غالباً على كل سماته الثانية، داخل الأردن وخارجه، فقد بقي الأكثر إنسانية، وحين تقرأ، مثلا، خبر متابعة الملك لعملية القاء القبض على المجرم القاتل، في الزرقاء، وامره بعلاج الشاب المعتدى عليه، تدرك ان الواقع صعب جدا، وان تأثره الإنساني بالقصة بلغ مبلغا كبيرا، درجة الدخول في تفاصيل التفاصيل، وفي متابعته، أيضا، رسالة ضمنية للمؤسسات الرسمية، بأن تطهير المدن، من حفنة ضالة لا تتورع عن أي شيء، بات امرا وجوبيا، وهي مهمة لا تحتمل التأخير ولا التبرير اليوم، خصوصا، وقد ضج الناس غضبا، وفتحوا كل ملف الازقة والطرقات ومن يعيثون فيها فسادا، وتدخله هنا، لا يقف اذا من حيث المعنى عند قصة الزرقاء منفردة، بل يفتح كل الملف.
هو ذاته الإنسان، الذي كان وما يزال يلبي حاجات الايتام والفقراء والمساكين، ويرفع الظلم عن كثيرين، وهو نفسه الذي لم يترك مدينة أو قرية أو بادية أو مخيما الا وزاره، وهو أيضا بشهادة من يعرفون الأكثر انفاقا على تلبية حاجات الناس، دون ضجيج أو إعلان، والدولة هنا بقيت أبوية، برغم إصرار البعض على ان النموذج الأبوي يجب أن ينتهي، لصالح نموذج آخر، إلا أن تعقيدات كثيرة، تجعل الابوية هنا، أكثر إنسانية، من جهة، وحلا لكثير من المشاكل والأزمات، حتى يصير ممكنا التحول الكامل إلى النموذج الكامل الذي نريده. لا يعلم كثيرون أن قضايا كثيرة تحل وينصف الملك أصحابها، بعيدا عن الاعين والاعلام، خصوصا، ان الملك بات يؤمن اليوم، ان حل المشاكل الكبرى، بحاجة الى عمل تشاركي، وإلى أن تنجح الحكومات في مهمتها التي تزداد تعقيدا، وتدخله الإنساني الفردي في قصة هنا وهناك، لا يقف عند حدود القصة، بل فيها رسالة يتوجب التقاطها بشكل عام حول ملف أوسع يمس قطاعا أعرض، فالتدخل في حالة فردية، يراد منه حل مظلمة جماعية، أيضا.
منذ شهور ونحن نعبر أزمة كورونا الخانقة، وإذا استمع احدنا إلى منطوقه في جلسات الحوار المغلقة، لأدرك كم أن هذه الأزمة تقلقه شخصيا، بسبب ظروف الناس، والخطر عليهم، والقدرة على الاحتمال اجتماعيا واقتصاديا، أمام أزمة تلقي بثقلها على العالم ؟. كل هذه الظروف الداخلية لم تمنعه ان يكون في أعلى درجات إنسانيته، وليس أدل على ذلك من توجيهه بإرسال مستشفى ميداني الى بيروت، بعد تفجير المرفأ، وما يفعله دوما من مبادرات ولفتات للعراقيين والفلسطينيين وغيرهم، فهو الإنسان داخل الأردن، وخارجه، ويمثل هنا قيمة أردنية اصيلة، قيمة مساندة الآخرين، والوقوف إلى جانبهم بكل الظروف.
لقد حكم عبر عقدين صعبين مرا على كل المنطقة، وتغير كل شيء في الدنيا، تغيرت الموارد المالية، وزاد عدد السكان، وتعمقت الأزمات الاقتصادية والاقليمية من كل مكان، بل ان الاخطار تشتد في هذه الحقبة أكثر، لكنه بقي على ذات طبيعته، الأقرب إلى الناس، فهم أصل الحكم، واساسه، ولأجلهم يعيش، ويعمل ليل نهار.
هذه دولة بكل مصاعبها، وأزماتها، بقيت على الخريطة، بقيت قوية، برحمة من الله أولا، ثم بإيمان الناس أن الأردن يجب أن يبقى، ومع كل هذا حزام الحماية الداخلي والدولي الذي بناه الملك طوال عقدين، من علاقات دولية وسفر واتصالات، وسط مخاطر لا تتوقف. الملك ليس بحاجة لشهادة أحد، لكن من يعرفه من قرب، يقول في سره وعلنه، أعانه الله على هذه المسؤولية، على كل المستويات، فيما يبقى الجانب الإنساني فيه، طاغيا وحاضرا بقوة، فهو الملك الذي ينفعل مع جريمة في الزرقاء، مثلما ينفعل مع مظلمة عامة في أي مكان داخل البلد، وهو أيضا الذي يجد العزم والقوة لأن يتفقد العرب من حوله وحواليه. ان يكون حاكمك إنسانا أولا، ميزة تدركها شعوب ظلمها حكامها، ويدركها قبل ذلك شعبنا.