تتبدى شيئا فشيئا التكلفة الكبيرة التي ترتبت على انتخاب يمين متطرف انتهى لتشكيل حكومة في اسرائيل. ضعف نتنياهو وقضايا الفساد التي تلاحقه جعلته يرضخ لإملاءات اليمين المتشدد، وقد التقت مصالحهم على أجندات سياسية داخلية خطيرة، أهمها تعديلات جوهرية على النظام القضائي الإسرائيلي تمكن السلطة التشريعية من وقف قرارات المحكمة العليا، ووقف ما يسمى بالمسؤولية القضائية أو الاحكام التي كانت عائقا في تنصيب المحكومين بمواقع وزارية او متقدمة، هذا سيجعل السلطة التشريعية صاحبة يد طولى بوقف الاحكام القضائية بما فيها تلك المتعلقة والمتوقعة حول نتنياهو. في السابق كان يحصل نتنياهو على دعم اليمين دون ان يرضخ للاملاءات والسياسات، اما الآن فهو راضخ لها ومستفيد منها.
ما يحدث اعتداء واضح على استقلال السلطات القضائية، مساس بمبدأ الاستقلالية والفصل بين السلطات، الذي يعتبر من المؤشرات الاساسية على فاعلية وصدق العملية الديمقراطية. اسرائيل بالتعديلات المقترحة على النظام القضائي تخطو بعكس توجهات الديمقراطية، تسير باتجاه دولة دينية ثيولوجية، تفتح العنان لتطبيق سياسات دينية في مختلف القطاعات بما فيها المناهج والتعليم، الذي طالما وقفت المحكمة العليا بوجهه بوصفه يعارض المبادئ الديمقراطية، انها معركة محتدمة في اسرائيل، سوف يفقدها كثيرا من الدعم الغربي الذي تسنى جزء كبير منه تحت شعار القيم الديمقراطية المشتركة. الامر كبير يرتبط بديمقراطية اسرائيل كما عرفها ودعمها الغرب، وانزياح اسرائيل باتجاه اليمين في سياسات القضاء والتعليم سوف يفقدها دعما كبيرا، لأن الغرب سوف يرى بها دولة دينية لا تتماشى ومنظومة الديمقراطية الغربية القائمة على التعددية والعلمانية.
لا يمكن تصور ان تقوم السلطات التنفيذية في الدول الديمقراطية بسن قوانين او تعديلها تمس القضاء واستقلاله، فذلك من المحرمات الديمقراطية ينتقص من توازن السلطات، فقد شكلت المحاكم على اختلاف انواعها كابحا اساسيا بوجه السلطات التنفيذية والتشريعية لجهة ردعها عن تجاوز صلاحياتها. لا أحد يستطيع تخيّل ان يقدم رئيس او كونغرس بالمساس بصلاحيات المحكمة العليا في اميركا مثلا لأن ذلك تعد على الدستور واخلال بمبدأ الفصل بين السلطات. السلطة القضائية المحصنة والمستقلة شكلت دعامة اساسية للديمقراطية والتداول السلطة وتوازنها، وبغير ذلك فالسلطات الأخرى سوف تمارس التعدي على المبادئ بحسب تكوينها الانتخابي والحزبي.
الجميع معني بتسليط الضوء على ان الانزياح الايديولوجي الديني المتطرف يسعى لترسيخ السيطرة على كافة المؤسسات بما فيها القضائية في اسرائيل، وهذا ابتعاد عن القيم الديمقراطية الليبرالية التي كانت سببا في دعم اسرائيل. والجميع معني ايضا بإدراك حجم المعركة الدائرة في اسرائيل بسبب ذلك، وان يحاول ان يبتعد عن اضعاف المعسكر المناوئ الواقف بوجه اليمين المتطرف في محاولته السيطرة على القضاء والتعليم في اسرائيل. لم نر معسكرا مناوئا بهذه القوة منذ كامب ديفيد 2000 والانتفاضة الثانية، فبعدها تمدد وترعرع اليمين المتطرف واحكم سيطرته. الآن هناك وسط ويسار-وسط فاعل يحاول خوض معركة ضد التطرف اليميني بقيادة نتنياهو.