يثير خطاب مجلس نقابة المعلمين هذه الأيام القلق الشديد، ولا أعني بذلك الشق المطلبي، فلكل النقابات والقطاعات مطالب شتى، ولكن لجهة التصعيد والتأزيم، والنية المبيتة للصدام مع الدولة، عبر مسار احتجاجي خشن يتعدى تعطيل العام الدراسي، إلى حد تحريك الوضع السياسي في البلاد باتجاه وضعية الأزمة العامة، بكل ما يحمل ذلك من مخاطر على الاستقرار والسلم الأهلي.
أكبر خطأ يرتكبه مجلس النقابة، هو التصرف من موقع المنتصر على الدولة بعد الإضراب الأخير للمعلمين وما تمخض عنه من اتفاق مع الحكومة. والظاهر من خطابات قيادة النقابة أن هذا الانطباع مسيطر كليا عليهم، ويدفع بهم إلى اعتبار أنفسهم فوق الجميع، فوق الجيش والمؤسسات الأمنية والكوادر الطبية وسائر مؤسسات القطاع العام التي تحملت قبل غيرها مسؤولية إدارة أزمة كورونا، وجنبت الأردن والأردنيين مصائر دول وشعوب دفعت ثمنا باهظا من صحة وحياة مواطنيها. وزيادة على ذلك قبلت عن طيب خاطر اقتطاع الزيادات من أجورها لفترة مؤقتة. وخطورة الخطاب التعبوي للنقابة أنه يريد فرض إرادته على الدولة غصبا وليس المطالبة بالحقوق، ثمة وهم خلف هذا التفكير بقدرة نقابة على كسر هيبة الدولة، والأخطر كسر الإجماع الوطني الذي تشكل حولها، وجعل كل أردني يفخر بكونه مواطنا في بلد محدود الموارد وفر لشعبه أفضل مستوى حماية من جائحة عالمية هزت أعتى الدول.
استنادا لمسيرة نقابة المعلمين الحافلة بالتحديات والإنجازات كنت أتوقع أن تكون هي أول المبادرين لدعم قرار الحكومة على هذا الصعيد، لأنها طالما أكدت التزامها بمصالح الوطن العليا دون أنانية أو تحيز، لكنها صدمتنا في عز الأزمة بموقف لا يليق أبدا بمكانتها ومسيرتها. ولقد بدا واضحا للكثيرين أن هناك في جسم النقابة من لا يريد لها أن تكون جزءا من المنظومة الوطنية الصلبة التي تشكلت على وقع الأزمة، ولهذا سعت جاهدة لخرق الإجماع العام بخطاب فئوي حاد ومنفر يؤجج الخلافات ويكسر الجوامع. والمفارقة المؤسفة أن ذلك يحصل في لحظة وطنية فارقة تواجه فيها الدولة تحديات غير مسبوقة، وبانتظارها تداعيات اقتصادية ثقيلة جراء أزمة ما تزال مستمرة، وضغوط خارجية كبيرة لكسر صمودها في مواجهة مخططات صهيونية قذرة لوأد قضية الشعب الفلسطيني، وتهديد المصالح الوطنية العليا للدولة الأردنية. معركة تعلم النقابة أن الأردن يخوضها بجسارة وحيدا دون إسناد يذكر من أحد اللهم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه.
وفي السياق يتزامن التصعيد الخطير في نهج النقابة مع حرب مفتوحة داخليا ضد الفساد والتغول على المال العام والتهرب الضريبي، سيجني الأردنيون ثمارها نهاية العام بزيادة ملموسة في إيرادات الخزينة عبر إلزام المتهربين بدفع ماعليهم من استحقاقات للدولة. ليس ثمة أردني واحد شريف وغيور يقبل أن تكسر إرادة الدولة في مثل هذه الظروف وفي كل الأوقات. والدولة بعد كورونا ليست مثلها من قبل. ينبغي إدراك هذه الحقيقة قبل فوات الأوان.