من وجهة نظر الكثيرين ولاعتبارات وجيهة جدا، رحيل حكومة الرزاز في الوقت الحالي غير وارد، وأكثر من ذلك ليس مفيدا مع اقتراب استحقاقات دستورية منتصف العام المقبل، ناهيك عن اشتباك الحكومة مع المؤسسات المالية الدولية وقرب موعد المراجعة الثالثة مع صندوق النقد الدولي، وانشغال الفريق الاقتصادي بالإعداد لموازنة العام المقبل.
التغيير مستبعد، البديل إذن التعديل والمستهدف هنا الفريق الاقتصادي في حكومة الرزاز الذي يتعرض هذه الأيام لانتقادات شديدة بعد العرض الدرامي أمام “مالية النواب” ونتائج المالية العامة للسنة الحالية.
كان التعديل الوزاري وعلى الدوام خيار الحكومات المتعاقبة ومنها حكومة الرزاز لامتصاص الغضب العام من الحكومة وتصويب الأداء قدر الإمكان. لكن في حالات قليلة كانت التعديلات تمس أحدا من أركان الفريق الاقتصادي لأسباب واعتبارات كثيرة. وفي معظم الحالات لم يترك التعديل الوزاري الأثر المرجو على الحكومات، في ضوء القواعد الراسخة التي تحكم توزيع المقاعد الوزارية وفق سياسة المحاصصات المعهودة.
في ظل الظروف الحالية، خيار التعديل من وجهة نظري محكوم بنفس اعتبارات التغيير المستبعدة. السياسة الاقتصادية للحكومة مبنية على البرنامج المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، ولا يمكن اجتراح سياسة مالية ونقدية خارج هذا البرنامج.
يبقى بعدان أساسيان بحاجة ماسة للمعالجة من قبل الحكومة؛ تحفيز الاستثمار وبالتالي النمو الاقتصادي، وتفعيل سياسة التشغيل الوطني للتخفيف من وطأة البطالة.
في باب الاستثمار الحكومة عمليا اجرت ما يمكن وصفه بالتعديل الوزاري عندما اختارت تعيين الدكتور خالد الوزني رئيسا لهيئة الاستثمار. يملك الرجل رؤية غير تقليدية لتنشيط الاستثمار وإزالة المعيقات من طريقه، ويحظى بدعم من رئيس الوزراء. وحسب التقليد السائد رئيس هيئة الاستثمار عضو في لجنة التنمية والاقتصاد الوزارية ويساهم في قراراتها بنفس القدر الذي يساهم فيه أعضاء الفريق الوزاري، إلى جانب شخصيات ذات وزن في القرار الاقتصادي كمحافظ البنك المركزي.
تحديات التشغيل والبطالة والتنمية هي من صلب اختصاص رئيس الوزراء، ويتولاها وزير العمل الذي يقدم أفكارا جريئة تستحق أن نختبرها. ويمكن تفعيل آليات العمل على هذه المسارات من خلال تولي رئيس الوزراء شخصيا وبخبرته الطويلة إدارة الملف مباشرة، وترؤس الفريق الاقتصادي أيضا.
ما نسمعه من أفكار وحلول للخروج من مأزق التنمية والبطالة وتحريك عجلة الاستثمار لا تختلف كثيرا عما في جعبة الحكومة من برامج وخطط ومقاربات، لا ينقصها سوى إرادة العمل والمتابعة الحثيثة بعيدا عن الاستعراض والآمال العريضة غير المحسوبة.
ومن خلف الفريق الحكومي هناك بيوت خبرة اقتصادية وفعاليات اقتصادية يمكن الاستعانة بمقترحاتهم لتطوير خطة للتحفيز الاقتصادي، وتجاوز عقبة التعاون بين القطاعين العام والخاص.
يمكننا أن نقول الكثير في نقد أداء الفريق الاقتصادي والحكومة عموما، لكن تحمل الواجب من موقع المسؤولية محكوم بعوامل ومحددات لاينفع معها التنظير من موقع المراقب أو المعارض.
“حارتنا صغيرة” كما يقال في الأمثال، وجربنا مختلف الوصفات والاشخاص ولم تختلف النتائج كثيرا، دعونا هذه المرة نركز على البرامج لا الأفراد. وما دامت الحكومة قد انتهت تقريبا من ملف الاصلاحات السياسية فليكن تركيزنا في المرحلة المتبقية على ملف الاقتصاد والتنمية والإدارة والتشغيل بدلا من إضاعة الوقت في تعديلات وزارية لاتقدم ولا تؤخر.