على مدى الايام القليلة الماضية تسربت معلومات حول تغييرات على الحكومة الحالية، ما بين من يقول انها امام تغيير كلي او تعديل على تركيبتها الحالية، وبينهما لا احد يعرف ماذا سيحدث؟.
على ما يبدو ان عمان تعتقد ان كثرة التغيير على الحكومات غير منتجة، ابدا، وهي هنا لا توفر اي حماية لأي حكومة موجودة، بقدر إقرارها ضمنيا ان التغيير لن يكون مجديا، وأي حكومة جديدة، لن تأتي بجديد، فلماذا تتغير الحكومة، في هذه الحالة، وعلى اي اساس، وربما الافضل تصنيع شراكة جديدة بين الحكومة وأي جهة رسمية في ادارة العمل العام، مثلما نرى حاليا، بدلا من تغييرها، في سياق تقويتها، او التخفيف من رشقها بالنقد، او بكثرة الكلام غير المنتج.
في عمان هناك محددات تقول ان الازمات اكبر من اي حكومة، وهي ازمة المديونية والعجز، ازمة توقف المساعدات الخارجية عدا الاميركية، وأزمة الاصلاح الاداري اي كثرة عدد الموظفين واستنزاف الخزينة لدفع الرواتب، ثم ازمة البطالة، وأزمة الفقر، والازمات الطارئة مثل كورونا، وحرب روسيا اوكرانيا وتأثيرها في الاقتصاد الاردني، ومثل هذه الازمات تقف اي حكومة امامها بذات الطريقة، وتديرها بشكل جزئي، ولا تتمكن من التغلب عليها بشكل كلي، فالكل سواء.
هذا يعني ان دوافع التغيير غير قائمة، من زاوية تقييم اداء الحكومة الاجمالي، قدرات الرئيس وحضوره، انسجام الحكومة، قبولها شعبيا، مدى امكانية الاستمرار بها، فيما دوافع التغيير قائمة من حيث الاجندة، واحتمال تغيرها، على اساس ان الحكومة جزء من حزمة في التغيير.
بهذه المعاني تصير قصة تغيير الحكومة في الأردن، قائمة على اسس مختلفة عما يظنه كثيرون، وكثيرا ما تم تثبيت حكومات او تغييرها لأسباب مجهولة لدى عامة الناس، او حتى لدى النخب، بما يعني ان المعيار النهائي ليس ما يفترضه اصدقاء اي حكومة او خصومها، او من يحلل المشهد.
في قصة الحكومة الحالية يقال لك ان تغييرها مرتبط بملفات مختلفة، من بينها ان امامها اجندة لم تنته منها، وابرزها الانتخابات البلدية التي هي مسؤولية الهيئة المستقلة للانتخابات وليس مسؤوليتها المباشرة، بالمناسبة، كما ان ملف الاصلاح الاداري وما يعنيه من دمج وزارات واعادة هيكلة وكيفية التعامل مع ملف عبء الموظفين المرهق وهو ملف حساس، تجنبته حكومات سابقة، وتجد الحكومة الحالية نفسها امامه، ومضطرة لحسمه بسبب الضغوطات على الموازنة.
الذين يريدون بقاء الحكومة يجدون ألف سبب لتثبيتها، على الرغم من وجود مآخذ كثيرة من جانب اطراف محايدة، وهي اطراف تسأل عن جدوى البقاء وكلفتها، في ظل ظروف صعبة.
ما يمكن قوله بصراحة هنا انك لا تسمع اشارات تهاجم الحكومة مباشرة، مثلما لا تسمع اشارات داعمة للحكومة، كما ان التغيير في الأردن قد يكون مرتبطا بكل المشهد العام، اي على عدة مواقع، وعدة مؤسسات، وبدون هذا يكون التغيير شكلياً، وعلى الأغلب فإن نهايات الدورة العادية للبرلمان، او بعد ذلك هي ميقات مناسب لأي تغييرات اذا توفرت النية نحوها، لكن على اساس حزمة واسعة، الحكومة احد اطرافها، وليست الوحيدة فيها، ولحظتها قد تكون التغييرات على صلة بالمشهد المحلي، مع حسابات اقليمية ودولية، ترتبط بالسياسة والاقتصاد، والازمات المحتملة المقبلة على الطريق التي توجب تعاملا مختلفا معها، يرتقي الى درجة حساسيتها، ولا يصح معها، الاستمرار بذات المجموعة الموزعة حاليا على غير موقع ومكان ومؤسسة في الأردن.
كل هذا يعني ان قصة بقاء الحكومة او رحيلها، لا تخضع للمعيار المعتاد، بل تخضع لحسابات اعقد، وقد لا أبالغ إذا قلت ان عمان تفضل ان يبقى كل شيء على حاله حاليا، ما لم تتجمع عدة عوامل معا تدفع نحو مثل هذه التغييرات، وهي تغييرات لن تأتي لحظتها على مستوى الحكومة وحيدة، بل في سياق اوسع، ارتباطا بلحظة تقدير مختلفة لكل المشهد، وهو مشهد تتداخل فيه العوامل المحلية برغم الهدوء الظاهر، مع حسابات على صلة بما يجري في العالم.
قبل ان نقرأ معادلات قوة الحكومة او ضعفها، بقائها او رحيلها، علينا ان نقرأ الخريطة الثانية في الظلال وعلى ضوء ما فيها سنعرف ماذا سيحدث في عمان خلال الفترة المقبلة؟.