تتسرب دعوات خافتة في عمان، بين وقت وآخر، تحض الدولة، على اتخاذ قرار واضح ومباشر بالطلب من السوريين مغادرة الأردن إلى بلادهم، بمعنى العودة الاجبارية، خصوصا ممن ينتمون إلى مناطق باتت آمنة، وهذه الأصوات التي تتدفق على ألسن البعض، لا تجد تجاوبا رسميا، ولا تتم مناقشتها.
هؤلاء يعتقدون ان حل مشكلة الوجود السوري في الأردن يكون على الطريقة اللبنانية والتركية، أي عدم ترك الامر تماما لخيارات الشقيق السوري، واتخاذ إجراءات من اجل إجباره على المغادرة، من اجل تخفيف الضغط على البنية والموارد، في ظل انحسار جزئي للحرب في سورية، واللافت هنا ان عدم المجاهرة بهذا الرأي يعود إلى الحذر من ردود الفعل داخل الأردن، وعلى مستوى المجتمع الدولي، الذي لم يلتزم أيضا بكثير من تعهداته المالية نحو الأردن، وهي أموال من المتوقع أن تتوقف تماما.
تكتب مهى يحيى مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط، بحثا مهما جدا، بعنوان ” نحو أتون النيران” ويتم نشره على موقع المركز يتحدث عن العودة القسرية للسوريين من تركيا ولبنان إلى سورية، وتقول ” أعاد لبنان خلال الأربعة الأشهر الماضية 2731 لاجئا إلى وطنهم، فيما رحّلت تركيا مئات السوريين، وتُبرر السلطات اللبنانية والتركية سياساتها بأن سورية أصبحت آمنة، لأن نظام الأسد استعاد معظم الأراضي التي كان قد خسرها، كما أن عدداً متزايداً من السوريين اللاجئين والنازحين داخلياً يعودون إلى ديارهم، وحتى في أوروبا، بدّلت دائرتا الهجرة الدنماركية والسويدية تقييمهما للوضع في سورية، إذ اعتبرتا أن الظروف الأمنية في بعض المناطق السورية لم تعد تشكّل تهديداً لطالبي اللجوء”.
البحث مهم للغاية، لكن خلاصته التشكيك بهذه السياسة، اذ تتحدث مهى يحيى عن ان الإحصاءات تثبت انه مقابل كل سوري يعود، ينزح ثلاثة سوريين، وتستعرض الأوضاع في سورية، وسياسات التنفير التي تمارسها دمشق الرسمية، من اجل منع عودة السوريين، او اعتقال بعضهم عند العودة، أو إرسال أبنائهم إلى خدمة الجيش الاجبارية، وغير ذلك من عوامل، تؤدي في المحصلة إلى خفض أرقام العائدين، وخطورة سياسة الإعادة القسرية.
على صعيد الأردن، قام الأردن في حالات محدودة، بترحيل بعض الحالات وهي قليلة جدا بسبب مخالفات أمنية، عبر إعادتهم براً، لكن الأردن لم يمارس سياسة الترحيل الجماعي، ومن المستبعد كليا ان يتخذ أي إجراءات لترحيل السوريين، أو دفعهم قسرا للمغادرة، حتى لو بالتنسيق مع السوريين أو الروس، كون الأردن أمام التزامات دولية معينة، وأمام حسابات معقدة تخص السوريين في الأردن، ولن يقبل ان يمارس هكذا اتجاه في سياساته تجاه الأشقاء السوريين.
الغربيون أبلغوا الأردن مرارا أن تقييماتهم لملف السوريين في الأردن، تؤشر على ان لا عودة قريبة، كما أشير مرارا من جانب خبراء إلى أن تحويل الأردن إلى “حاضنة سنية” في المنطقة بشكل بطيء، لغايات استراتيجية، مشروع يتم تنفيذه سواء عبر وجود اكثر من مليون سوري، او مئات آلاف العراقيين أو عشرات آلاف اليمنيين آو غيرهم، واذا كان هذا يعني محليا مساسا بالديموغرافيا الأردنية، الا انه أيضا يعني لدى البعض تصديرا للازمات إلى الأردن لغايات إضعافه، او تحميله كلف ملفات الجوار.
في كل الأحوال علينا أن نقر بثلاث حقائق هنا، أولها ان الأردن لن يتخذ قرارا بعودة قسرية للسوريين إلى بلادهم، حتى لو توقفت الحرب، لخشية السوريين في الأردن، من معاقبة دمشق الرسمية، أو بسبب الخلل في البنية المذهبية الداخلية، أو بسبب نشوء أجيال جديدة من السوريين في الأردن، اشتبكت اجتماعيا مع بيئة جديدة، وصارت جزءا منها، فيما الحقيقة الثانية تقول إن الانطباع العام أن دمشق لا تتخذ أي خطوة لتشجيع مواطنيها على العودة، بل هناك من يرى ان دمشق تريد ترسيم خريطة سكانية جديدة في سورية، ومعاقبة الدول التي تعتقد انها دعمت الفوضى السورية عبر صد اللاجئين وعرقلة عودتهم، وتركهم في هذه الدول، من اجل الضغط على تلك الدول، أما الحقيقة الثالثة والأهم، ان توقع أي دعم دولي، يجب ان ينتهي تماما، وأن نعترف أن الازمة السورية باتت أردنية من زاوية كلفة اللجوء الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بما يعنيه ذلك.