لا أعتقد أن الأردن سوف يندفع كثيرا تجاه إيران، لاعتبارات كثيرة، ويقال هذا الكلام أمام الموج الهائل من التعليقات السياسية في الأردن، الذي يضغط من أجل علاقة جيدة مع إيران.
هذا الاستخلاص ليس تحريضا على إيران، أو رفضا لاستعادة العلاقة معها، إذ ربما يعيد الأردن سفيره الى طهران بعد فترة، لكننا نتحدث عن الاندفاع الذي يحض عليه البعض، وهو اندفاع لم نره أساسا خلال العقود الماضية، فلماذا سيحدث الآن، بالتحديد؟.
عودة السفير إذا تمت، ليست مقياسا، إذ كان للأردن سفراء في طهران سابقا، وكان للأردن أيضا سفير في طهران معين، لكنه لم يلتحق بعمله، وبقي هنا في مكتبه في وزارة الخارجية، وهذا يعني أن معيار عودة السفير، أو عدم عودته، ليس المعيار الوحيد للحكم على موقف الأردن.
الدعوة الى مصالحة الإيرانيين، ودعوة الإيرانيين الى مصالحة المنطقة، دعوة قديمة جديدة، لكن التعقيدات التي نراها والمتعلقة بملفات مثل التمدد الإيراني في دول المنطقة، والأسلحة البالستية، وملف السلاح النووي، وغير ذلك، وتقلبات المواقف داخل الإدارة الأميركية، وما قد يحدث من احتمالات خلال الانتخابات الأميركية المقبلة، إضافة الى الحسابات الاستراتيجية المتعلقة بمدى وجود تغيرات جذرية، غير شكلية، في مواقف إيران، يلعب دورا في تجميد أي محاولة اندفاع كما يتصورها البعض، أو يطالب بها البعض الآخر، مع وجود هذه التعقيدات.
يدرك الاردن هنا أن الانفتاح على العراق وسورية، أيضا، مرتبط بموقف إيران من الأردن، ومن الوهم الاعتقاد أن ملف العلاقات مع بغداد ودمشق مفصول عن ملف العلاقات مع طهران، وهذا يعني أن عمان الرسمية أمام خيار محدد، أما التحرك ببطء مع مراقبة المشهد، وإذا غيرت إيران سياساتها فعليا، أو لا، وهذا ينطبق على ساحات عربية يقرأ الأردن موقف طهران بحقه، من خلالها، بما يعني أن القصة تتعلق بكل الإقليم، وليس بعلاقة ثنائية مباشرة فقط.
إيران وتركيا دولتان إسلاميتان إقليميتان تتنازعان على النفوذ في المنطقة، وما يمكن قوله بصراحة إن الأردن لا يقترب من الطرفين، وهناك أدلة كثيرة على الفتور في العلاقات معهما، رغم الإشارات التي تصدر هنا وهناك، والتي من بينها تصريح مسؤول بارز في عمان قبل فترة، حين قال إن إيران لا تهدد الأمن الوطني للأردن، ومن بينها إشارات بحق تركيا، تتلخص بحملات الإغاثة الأردنية، التي لا يجوز من زاوية ثانية تسييسها، ويتوجب حصرها في إطار إنساني فقط.
من ناحية تحليلية، يتقلب الإقليم، ولا يمكن حتى لأولئك الذين لديهم معلومات حصرية دقيقة، أن يعرفوا ماذا سيحصل اليوم أو غدا، في هذا الإقليم، فنحن ننام في الشرق الأوسط، على حالة ونصحو على حالة ثانية مختلفة تماما، وهذا يفسر ربما أن عمان الرسمية تتبنى الصبر هنا.
في قراءات لسياسيين، يقول هؤلاء إن الأردن جزء من تحالف عربي، أخذ موقفا ضد إيران، وسحب السفراء، وهذا التحالف استعاد علاقته بإيران، فلماذا سيبقى الأردن وحيدا متفرجا، ولماذا لا يتبع مواقف عواصم عربية حليفة للأردن، هنا، كما جرى في ظروف مختلفة عشناها؟.
يتناسى بعض المحللين أن إعادة التموضع في العلاقات العربية الإيرانية، ما تزال تحت الاختبار أصلا، وما تزال تخضع لحسابات إقليمية ودولية، وليس حسابات محلية فقط، إضافة الى أن أكثر ما يمكن أن يفعله الأردن، هو إعادة السفير الأردني الى طهران، بشكل بروتوكولي، دون أن يعني ذلك تسخينا وانقلابا في ملف العلاقات الثنائية.
علاقات الأردن الخارجية، جيدة وحسنة، لكن الفرق بين علاقات الأردن وتركيا، من جهة، وعلاقات الأردن مع إيران، من جهة ثانية، أن العلاقات مع تركيا ثنائية الى حد بعيد، ورغم ذلك لا تعد علاقة ممتازة، فيما العلاقة مع إيران تبدو مثل التعامل مع حزمة دول في دولة واحدة، بما يعنيه ذلك من علاقات مع العراق وسورية، وما يجري في لبنان واليمن، والمهددات الأمنية التي تطل بنفسها كل مرة، عبر الحدود الأردنية مع سورية، بخصوص الأسلحة والمخدرات، وتواجد ميليشيات عسكرية لها مهماتها داخل سورية، وتثير الحساسيات هنا، دون أن ننسى ثنائية العلاقة الإيرانية الروسية، وما تعنيه لدى واشنطن التي يتحالف الأردن معها لاعتبارات متعددة.