حدث قبل قرابة العشرين عاماً (أبريل 2001)، أن تقدم الأردن ومصر بمبادرة مشتركة، استهدفت وقف العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية، وإعادة الفريقين الفلسطيني والإسرائيلي إلى مائدة المفاوضات...حدث ذلك في ذروة «الانتفاضة الثانية»، بعد فشل قمة كامب ديفيد (عرفات، باراك وكلينتون)، وبعيد قمة عمّان العربية، وبعد أسابيع قلائل من تولي جورج بوش الابن مقاليد الرئاسة الأمريكية، محمّلا بمنظور جديد للسلام في المنطقة، يقوم على «ترك الأطراف تقلع شوكها بأيديها» إلى أن «تنضج للقبول بالمقترحات والحلول الوسط».
لست هنا بصدد «النبش» في قبور تلك الحقبة، وتلك الحقبة تميزت بانتشار قبور الفلسطينيين على امتداد مساحة وطنهم المحتل بعد قرار شارون إعادة احتلال الضفة الغربية، وتدمير السلطة الفلسطينية فوق رؤوس قادتها، واغتيال ياسر عرفات، الجريمة التي ستقع فعلياً بعد ذلك التاريخ بثلاث سنوات...أنا هنا للحديث عن حاجتنا لـ»التحرك الأردني المصري» المشترك، في لحظة فلسطينية فارقة، أكثر صعوبة من المرحلة التي أطلق البلدان فيها مبادرتهما المشتركة. المراقب عن كثب للمشهد الفلسطيني، بامتداداته الإقليمية والدولية، يلحظ «غياباً مصرياً» شبه كامل عن هذا المسرح...لا حركة مصرية على خطة المصالحة الفلسطينية الداخلية، أقله في الآونة الأخيرة...ولا حركة مصرية فاعلة في مواجهة «صفقة القرن» وخطط إسرائيل لضم ثلث الضفة الغربية لسيادتها بما يُنهي وإلى الأبد، فكرة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة و»حل الدولتين».
ثمة مياه كثيرة جرت في نهر النيل، منذ أبريل 2001، عندما أطلقت عمان والقاهرة «المبادرة الأردنية المصرية المشتركة» وحتى يومنا هذا: غيّرت مصر ثلاثة رؤساء، وشهدت على اندلاع ثورتين: يناير 2011 ويونيو 2013...واليوم تجد القاهرة أن أمنها القومي مهدد من ثلاث جبهات: الداخل، بما هو إرهاب في سيناء، يطاول أحياناً عمق «الوادي»...غرباً، في ليبيا، حيث تبني تركيا لنفسها قاعدة نفوذ زاحفة من الغرب إلى الشرق، وبالاعتماد على حكومة فايز السرّاج والجماعات الإسلامية (والإخوانية) الداعمة لها...وجنوباً، حيث يتهدد السدّ الأثيوبي «شريان حياة» مصر والمصريين.
واشنطن هي «الحَكَم» في الخلاف مع أثيوبيا على السد وتقاسم مياه النيل، وهي «مانح» رئيس لمصر، وعلاقاتها بها، كما علاقاتها بعمان، ذات أبعاد استراتيجية تتخطى المساعدات والمنح، إلى البعد الأمني والاستخباري والحرب على الإرهاب وغيرها كثير. صفقة القرن، تمس مصالح الأردن وأمنه واستقراره وهويته وكيانه، ولهذا تتحرك الدبلوماسية الأردنية بفاعلية أكبر لاحتواء التداعيات واستباق الضرر ودرء المخاطر، لكن صفقة القرن، تمس في المقابل، دور مصر القيادي ومكانتها الإقليمية، ومجالها الحيوي (فلسطين الجغرافيا والقضية)، قد لا يبدو الضرر والتهديد متماثلين، أو أنهما يتمتعان بالقدر ذاته من الأهمية، بيد أنهما كافيان كمنصة لإطلاق «مبادرة مشتركة ثانية»، تتحرك فيها الدولتان الوحيدتان اللتان وقعتا معاهدتي سلام مع إسرائيل، لمنع التدهور ووقف الانهيار، وبناء «سدّ» في مواجهة الزحف الإسرائيلي للأرض والحقوق الفلسطينية، ولاستنقاذ عملية السلام القائمة، قبل أن تفقد معاهدتا السلام المبرمتين قيمتهما بالكامل.
لست أجد أسباباً أردنية تحول دون ذلك، وقد تكون الأسباب مصرية أساساً: الخشية من استثارة غضب واشنطن في لحظة فارقة ليبياً وأثيوبياً، انشغالات مصر بهموم الداخل ومتاعبه، من الاقتصاد إلى الجائحة وليس انتهاء بالإرهاب في سيناء...أياً كانت الأسباب، فإن الفلسطينيين يحتاجون اليوم، أكثر من عام 2001، لتحرك مصري – أردني مشترك ومبادر.