قبل عشرين عاما، كانت القدس عنوانا لانتفاضة فلسطينية مسلحة دامت خمس سنوات، بعد زيارة استفزازية قام بها رئيس حكومة الاحتلال آرييل شارون لباحات المسجد الأقصى.
القدس المحتلة ومنذ أيام تشهد صدامات متصاعدة بين قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين من جهة والجماهير الفلسطينية من جهة أخرى ساحاتها حي الشيخ جراح، حيث يسعى الاحتلال لتجريد سكان في الحي من بيوتهم التي يملكونها بسندات شرعية حسبما أكدت وثائق أردنية تم تسليمها مؤخرا للفلسطينيين. وزاد من مظاهر التأزيم الاقتحامات المستمرة من قبل الإرهابيين المستوطنين لباحات الحرم القدسي الشريف، ومنع الفلسطينيين من أدء الصلوات، خلال الشهر الفضيل. هل تشكل هذه المناخات المأزومة ظروفا مشابهة لما كان سائدا قبيل تفجر انتفاضة الأقصى العام 2000؟ الظروف الحالية ربما تكون أسوأ في رأي محللين، مما كان عليه الوضع في ذلك التاريخ. إسرائيل أكثر عدوانية وبطشا وتطرفا، والسباق بين أحزابها صوب اليمين والتطرف، وفي أوساط الفلسطينيين إدراك عميق لانسداد الأفق، وغياب فرص الحل العادل، وضغوط يومية لا يقوى عليها المواطن البسيط. وتركز المواجهة هذه المرة في القدس وحول المقدسات، يشكل عاملا إضافيا مهما لاندلاع انتفاضة شعبية تطال كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بتأثير مشاعر دينية مستفزة من تكرار الاستهداف للأماكن المقدسة. المجتمع الدولي وكعادته تهاون في السابق مع سلوك حكومات الاحتلال، ما شجعها على مواصلة غطرستها. وفي زمن الإدارة الأميركية السابقة “إدارة ترامب” المنحازة بشكل كلي للاتجاهات الأكثر تطرفا، مضت إسرائيل في عدوانها على الشعب الفلسطيني دون أدنى اكتراث لرد فعل المجتمع الدولي والأمم المتحدة. التطبيع مع عدد من الدول العربية والإسلامية أغرى بممارسة مزيد من العدوانية والسلوك المتنكر للحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة. في رد المجتمع الدولي على ما يدور حاليا في القدس، نلحظ تغييرا في اللهجة، خاصة من طرف إدارة بايدن، فالولايات المتحدة ولأول مرة من سنوات، تؤكد على أهمية احترام الوضع التاريخي القائم في القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة، ويدعمها في ذلك موقف أوروبي يطالب إسرائيل بالالتزام بمسؤولياتها كقوة قائمة بالاحتلال. يتعين على الدول العربية استثمار الوضع الدولي الحالي لممارسة أقصى ضغط ممكن على حكومة الاحتلال للكف عن عدوانها في حي الشيخ جراح واحترام مكانة المقدسات في القدس المحتلة. من المفترض أن نشهد تحركا عربيا على هذا الصعيد بعد دعوى قطرية منسقة مع الأردن وفلسطين لاجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب هذا الأسبوع. إذا لم تفلح الجهود العربية بتحريك موقف أميركي ودولي ضاغط على إسرائيل للتوقف عن ترحيل الفلسطينيين قسرا من بيوتهم في حي الشيخ جراح ومناطق أخرى محاذية، والامتناع التام عن انتهاك حرمة الأماكن المقدسة في القدس المحتلة، فإن احتمال اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة يغدو ممكنا بقوة. لم يعد للشعب الفلسطيني ما يخسره، وهو يرى أرضه تسلب ومقدساته تستباح، وحقه في الدولة المستقلة على ترابه الوطني يتلاشى. إذا لم تنفجر الانتفاضة الفلسطينية هذه المرة، فإنها مؤكدة في موعد ليس بعيدا.