الثلاثاء، 22-02-2022
03:50 م
بعض المواقف تحيرني، وأجد نفسي فيلسوفا حين أحاول تشخيصها، لأجد تفسيرا يبدد حيرتي، ومن بينها:
حين ندخل ساعات مساء يوم الجمعة، كنت أشعر بشيء ما، ليس الخوف بالتأكيد، لكنه يشبهه، حيث يمر الوقت بطيئا، ثقيلا، كمن يقترب من موعد امتحان لا يطيقه، حتى إن الهمة تفتر وأشعر بالبرد ولو كنت في عز الصيف، ليس بردا حقيقيا إنما تتماثل أعضاء الجسم لمجابهة برد لا يتعلق بانخفاض وارتفاع درجات الحرارة، والغريب ان الحالة أصبحت تجتاحني في هذا العمر لكن مساء السبت، وكنت قديما أفسر هذه الحالة بأنها نفسية، متعلقة بأن يوم السبت سيكون بداية اسبوع مدرسي، وهاهي وفي هذه الأيام، الدنيا تتأهب للصمت المطبق مساءات أيام السبت، بعد أن أصبح اسبوع الدراسة يبتدىء من الأحد حتى الخميس، أقول هذا على الرغم من أنني تركت المدارس منذ أكثر من ربع قرن.. فمن يعطيني تفسيرا مقنعا لهذه الحالة؟!.
وأشعر بالبرد، وبعتمة تتسلل بخلسة ذات وقع مؤلم، وذلك كلما لاح في البال ما يهدد الأمن، أقول في نفسي، بل وأتحدث مع اشقائي وأصدقائي أحيانا، متسائلا: ماذا لو حدث لا سمح الله ما يقوض أمن عمان، كيف لي أن (أحمل عائلتي) إلى الكرك؟.. ولا اريد ان أذكر سائر الأسئلة والاحتمالات التي تتنامى في البال نفسها، حول هذا الإحتمال، هذا شعور قريب جدا من «الخوف»، وهو ليس حالة نفسية عارضة حائرة، ولا أخرج من مثل هذا الشعور الذي ينتابني على خلفية فكرة محتملة، تتمثل بغياب الأمن، إلا بالتفكير بالأمن نفسه، فأجدني أخرج منها، حين أتذكر بأن الأمن نعمة أيضا، تقتل خوفنا من المستقبل واحتمالاته الحرجة..
كنت أحسد (كتاكيت..صيصان) الدجاج البلدي، التي كانت تستنزف وقتي بمراقبتها في أيامها الأولى بعد أن تخرج من البيض، الذي رقدت عليه الدجاجة مدة 21 يوما، حيث لم يكن يسلم من عبثي، أقلبه بين أصابعي برفق،وأطلق العنان لخيالي، اتوقع شكل ولون (الصوص) الذي سيخرج من هذه البيضة أو تلك، لكن أكثر موقف كان يشدني وأتمنى نفسى لو كنت (صوصا) مثلها، حين يلوح في الأفق طائر جارح او حتى حمامة، فتخرج الأم صوتا مميزا، تفهمه صغارها، فتتراكض وتختبئ تحت جناحي والدتها، حتى حين تغيب الشمس، ينام الدجاج مبكرا، وسرعان ما تأوي الفراخ تحت جناحي أمها، وتصدر صوتا متناغما جميلا، يعبر عن حنين الطيور لأعشاشها..كنت اتمنى لو أنني عصفور لأفهم بالضبط ما هو شعورها حين تأوي تحت تجناح أمها وقت الخطر والبرد.
الموقف الطبيعي للمجتمع في اية دولة، أن يلوذوا إلى الدولة ومؤسساتها الأمنية حين يتهدد أمنهم، ويغشاهم خوف ما على حياتهم او حتى على طمأنينتهم.. ولا يبتعد عن جناح أمه إلا من لا ينتمي لتلك الأم ولم ينضو يوما برغبته تحت جناحها، صغار الثعالب او القطط لن تأوي لجناح طير حين تشعر بالخوف، وإن فعلت، فمن الطبيعي أن ينتفض الطير ويصبح شرسا، وينتفش كل ريشه بطريقة تلقائية، استعدادا للانقضاض على ابن ثعلب او ثعبان طوى نفسه خلسة تحت جناحه.
حين التقي بضباط وأفراد الامن العام، او أدخل إلى معسكراتهم ومديرياتهم المختلفة وأشاهد الأجنحة المرسومة في شعار مديرية الأمن، أتذكر أجنحة الصقور وكل الطيور، حيث أعتقد بان الذي اقترح الأجنحة في هذا الشعار، كان يشعر بنفس شعوري، ويرى الأجنحة تدفىء الضعفاء وتقيهم الشر والخطر الخارجي، أكثر مما تذكرهم بالقوة..
هذا تفسيري لدفء نعمة الأمن لمن يشعر به، ومن لا يشعر به فلديه خلل بنيوي في إحساسه..
وقانا الله وإياكم برد فقدان هذه النعمة.