الاعتراف بالفساد في الأردن، بات رسمياً، وليس أدل على ذلك من الملفات التي يتم كشفها كل فترة، والتي تكشف وجود سرقات وشبكات تنهب المال العام، في ظل فقر عام ينهش الأردن.
قبل أيام فقط تم الإعلان عن توقيف 6 موظفين من إحدى المؤسسات، ومنعهم من السفر حيث بلغت قيمة اختلاساتهم حوالي ثلاثة ملايين دينار، وشكلوا شبكة متفاهمة على التزوير وإبرام الاتفاقيات الوهمية مع باحثين ومتخصصين دون علمهم وتحرير شيكات بأسمائهم ومن ثم تجييرها بأسماء أقاربهم وزوجاتهم الذين تم تعيينهم في المركز على حساب المشاريع دون أن يلتحقوا بها فعليًا ليصار بعدها إلى صرف الشيكات ثم اقتسام قيمتها، إضافة إلى تزوير ختم ديوان المحاسبة لختم الفواتير والمستندات التي كانوا يزوّرونها لإضفاء صفة الرسمية عليها.
هذا مجرد ملف واحد، لمؤسسة تم نهبها على يد من يعملون بها، بعد تشكيل مجموعة تتولى كل هذه العملية وبعضهم يعمل مديرا ماليا في المشروع، وآخر يعمل محاسبا للمشاريع وأيضا مسؤول الرقابة الداخلية ومدير مكتب المدير، وغيرهم، وهذا يعني ان الفساد ليس فرديا في الأردن، بل بتنا أمام شبكات تتواطؤ معا في المؤسسات، وهذا أخطر أنواع الفساد، ويختلف بالطبع عن الانطباع العام، أن الفاسد قد يكون شخصا واحدا في مؤسسة ما، مما يزيد من تعقيد محاربة الفساد، ما دمنا أمام شبكات تعمل مع بعضها البعض، وعلى مدى سنوات، مما يجعلنا نسأل دون اتهام عن حال مؤسسات ثانية في هذه البلاد، قد ينخرها الفساد ولا نعلم.
حين كان يثير البعض ملفات الفساد، كان بعض المسؤولين يقولون إن هذا يشوه سمعة الأردن، وأن هناك مبالغة، لكن الذي ثبت لاحقا العكس، عبر تقارير ديوان المحاسبة، وما تفعله مشكورة هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، التي بحاجة إلى دعم مالي وفني أكثر، حتى تستطيع أن تعمل بشكل مريح، في ظل الضغط عليها من جهة، أمام الملفات التي تتولاها، وفي ظل نجاحاتها بالإعلان عن ملفات تبلغ قيمتها الإجمالية مئات الملايين سنويا، ونحن ندعو الجهات الرسمية هنا إلى الاستماع إلى الهيئة وما تحتاجه، لأن إمكانات الهيئة محدودة، فيما واقع الفساد أكبر بكثير من قدرة كل المؤسسات، بعد أن وصلنا إلى هذا الحال، الذي تتم فيه السرقة عبر شبكات داخل المؤسسات.
لقد كان الكلام سابقا عن قضايا فساد صغيرة، ورشى يتم الحصول عليها داخل البلديات، أو من جانب بعض موظفي المؤسسات الرقابية والمالية، حيث يستعمل البعض صلاحياته للحصول على رشوة، ومما هو مؤلم هنا أن تصير الرشوة حلا للراشي، قبل أن تصبح منفعة للمرتشي، والراشي هنا يجد في الرشوة حلا لمنع التعسف في استعمال السلطة من جانب أي موظف حكومي، أو لخفض قيمة رسوم مالية مطلوبة، أو تخمينات أو تقديرات، وحين تصبح الرشوة حلا للراشي لخفض ما هو مطلوب منه، أو خضوعا لتسلط موظف ما، نكون قد تجاوزنا كل الخطوط الحمراء، لأن طرفي العملية هنا، يتستران على بعضهما البعض، فمن ذا الذي سيشكو لحظتها؟.
ما نراه وما نسمعه اليوم، يؤكد شيوع حالات الفساد الصغيرة والكبيرة، فاستحلال الحرام بات سائدا في كل مكان، وعند كل معاملة أو عطاء أو مشروع، والذي يعجز عن حل مشكلة ما، يبحث عن حل لها عبر الدفع تحت المائدة، وقد كان البعض يعتقد أن شيوع الفساد تعبير عن حاجة الفاسد المالية بسبب قلة الدخل مثلا، ولتغطية التزاماته ولو بالحرام، لكن حين نرى قصصا مثل قصة الثلاثة ملايين دينار، ندرك أن القصة ليست تعبيرا عن الحاجة أو الفقر، فهذا نهب كبير، يصل إلى أرقام مذهلة تعبر عن وجود نوعيات إجرامية في الإدارة العامة في الأردن، لا تتورع عن نهب المال العام، ولا تخشى الله، ولا القوانين، وتواصل النهب برغم كل التحذيرات.
لن نعمم الكلام على الكل، فهناك من هو ورع، ومن لا يمد يده لمال الناس، لكن الاكتفاء بالمراهنة على الضمير والأخلاق، مراهنة غير كافية، خصوصا، أننا بتنا أمام تشكيلات إجرامية داخل المؤسسات، وهذا يجعل مهمة كشف حالات الفساد، صعبة، وأكثر تعقيدا.